أوجب السكنى مطلقًا، ولا حَدَّ له في اللغة ولا في الشريعة، فيرجع فيه إلى العرف والعادة كالأحراز والقبوض. وإنما ينظر إلى سكنى مثلها حين الطلاق ولا ينظر إلى سَكنها حال الزوجية؛ لأن الزوج قد يتطوع بأكثر من سكنى مثلها، فإن كانت ساكنةً في سكنى مثلها أقرب فيه، وإن كانت في أدون منها فإن رضيت بالمقام فيه جاز؛ وإن طلبت سكنى مثلها لزم أن يسكنها إلى أقرب المواضع إليه مما هو سكنى مثلها، أو يزيد فيه من بيتٍ آخر بجنبها. وإن كانت في أرفع فإن رضي الزوج به جاز، وإن لم يرض لا يجوز نقلها منه بلا سبب، وإن اتفقنا على النقلةُ لم يجز أيضًا لما ذكرنا. وهل يجوز أن يسكن معها أو يلزمه أن ينتقل منها؟ يُنظر فإن كانت الدار كبيرة يمكنه أن يقطعها حجرتين يغلق كل واحدة بغلق منفرد، فتكون في إحداها وهو يكون [ق ٧٧ أ] في الأخرى، وإذا فعل ذلك وسعتها وتنفرد بمرافقها من البئر والمطبخ والرقي إلى السطح، ومثلها يسكنها في العادة جاز ذلك، وإلا فلا يجوز ويلزمه أن ينتقل منها حتى تنقضي عدتها.
وإن كان في الدار بيتان ولا يمكن قطعها حجرتين، فأراد أن يسكن هو في بيتٍ وهي في بيت آخر لم يجز، وإن كان على كل واحدٍ من البيتين باب يُغلق؛ لأن في المدخل والمخرج من باب الدار يحصل بينهما خلوة. قال الشافعي:"إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ بَالِغٌ مِنَ الرِّجَالِ".
وقال بعض أصحابنا:"أو نساء ثقات". وقال أبو حامدٍ: اعتبر الشافعي بلوغ المحرم، وعندي إذا كان صبيًا مراهقًا جلدًا يتحفظ به جاز أيضًا؛ لأن الغرض أن لا يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية.
وقيل: شرط الشافعي أن يكون من الرجال، وبالنساء لا يقع الحاجز عن قصد الفجور فلا يكتفي بالنساء.
وقال القاضي الطبري: الأمر على ما قال الشافعي، ولا يجوز إلا أن يكون بالغًا؛ لأن غير البالغ ليس بمكلف فلا يلزمه الإنكار للفاحشة.
قال الشافعي:"ويكره ذلك مع هذا"؛ لأنه لا يمكن التحرز من النظر إلى الأجنبية وإن جاز على ما ذكرنا.
وقيل: إن الشافعي قال: "محرم ونساء ثقات" ولا شك أن هذا للاستحباب.
ولو كانا في بيتين من الخان فطلقها فانتقل الزوج إلى بيت بجنبها جاز، ويخالف بيتين في الدار؛ لأن الخلوة لا تحصل بينهما في بيتين من خان وتحصل في بيتين من دارٍ. وكل موضع أجزنى للمطلق أن يسكن مع المطلقة أجزنى للأجنبي أن يسكن [ق ٨٨ ب] معها، وما لا يجوز للمطلق لا يجوز للأجنبي.
ثم اعلم أن المزني قدم ههنا مسألة وجوب سكنى الوفاة وأردفها بالكلام في كيفية