أراد به أن المرأة إذا أرضعت صبية أو صبيًا ثبتت الحرمة بينهما وبين المرضعة وبين زوجها الذي منه اللبن فتكون المرضعة [ق ١٤٨ أ] أما زوجها أباكما إذا ولدته من مائه حرم عليهما، وكانا أبوين، وقوله نفس السنة قد قيل: أراد به الحديث الذي تقدم ووجه الدليل أنه شبه بالنسب والنسب إلى الآباء فدل أنه تثبت الحرمة به من جهة الأب، وقد قيل: لم يرد به هذا الحديث بل أراد ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن عليَّ أفلح أبو أبي القعيس فاستترت منه فقال: أتستترين مني وأنا عمك قلت: وكيف ذلك؟ قال: راضعت امرأة أخي بلبن أخي فقلت: إنما أرضعتني المرأة دون الرجل فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه عمك تربت يمينك فليلج عليك".
وروى بعض الرواة أفلح من أبي القعيس وهو خطأ، قال الشافعي: وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلامًا والأخرى جارية فهل يزوج الغلام بالجارية، فقال: لا اللقاح واحد أن الفحل واحد ومعناه أن لبن المرأتين لرجل واحد فيكونان أخوين من أب كما إذا ولدت إحداهما غلامًا والأخرى جارية كان أخوين من أب وعلى هذا لو كانا أخوان لكل واحد منهما امرأة فولدت إحداهما غلامًا والأخرى جارية يجوز تزويج الجارية من الغلام، فإن أرضعت إحدى المرأتين ولد المرأة الأخرى حرم التزويج لأنهما صارا أخوين من الرضاعة وبه قال الحسن، وعطاء، وطاوس، والقاسم بن محمد، وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وجماعة الفقهاء مالك وأبي حنيفة، وإسحاق. وقال إسماعيل ابن عُلية، وداود، والأصم: لا تثبت حرمة الرضاع بين المرضع وبين زوجة المرضعة الذي اللبن منه وإنما تنتشر الحرمة إلى أقارب المرضعة لا غير.
وروي هذا عن ابن عمر، وابن الزبير وهو اختيار عبد الرحمن [ق ١٤٧ ب] ابن بنت الشافعي، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأذن أن يدخل عليها من أرضعته بنات بنت أبي بكر، ولا تأذن أن يدخل عليها من أرضعته نساء ابن أبي بكر وهذا موافق لما روي عن ابن عمر.
واحتجوا بأن اللبن للمرأة لا يشاركها الزوج فيه، وقد ينزل للبكر لبن وتثبت الحرمة وهذا غلط لأن المولود لهما لأجل أنه خلق من ماءها فكذلك اللبن الذي خلق غذاء للمولود لهما فلبنها لبن المرضعة ولبنه لبن الفحل لاشتراكهما فيه لا أن يحلب من الفحل لبن ولأن الولد في الملك يتبع المرأة والتحريم يتعلق بهما فكذلك اللبن يحصل عن المرأة وتحريمه يتعدى إليهما، وقيل ما روي عن عائشة: لا يصح لأن محمد بن إسماعيل البخاري ذكر في كتاب الصحيح خبر أفلح، ثم روى عن عروة أنه قال وبهذا قالت عائشة حرموا من الرضاعة ما يحرمون من النسب فدل أن يذهب عائشة مثل قولنا، وروي عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة رضي الله عنها قالت عائشة قلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن من بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أراه فلانًا" لعم حفصة من الرضاعة