والثاني: أن يسلم من اثنتين يعتقد بأنه فرغ منها فتكلم، ثم بان له أنه لم يفرغ منها، فالحكم فيه كالثاني، والأصل فيه خبر ذي اليدين.
والثالث: أن يكون قائماً بالصلاة ولكنه يجهل تحريم الكلام بأن يكون قريب العهد بالإسلام، فهو كالناسي أيضا لخبر معاوية بن الحكم. وقد ذكرناه ولو علم أن جنس الكلام يبطل الصلاة، ولكنه يجهل أن هذا الكلام بعينه يبطلها لم يعذر وتبطل.
والرابع: أن يتكلم عامداً مع العلم بالتحريم فيبطلها سواء كان من المصلحة كقوله للإمام: سهوت [١٢١ ب / ٢]. وقوله للأعمى: لا تقع في البئر ونحو ذلك. وذكر بعض أصحابنا قسماً خامساً، وهو أن يقصد تلاوة القرآن، أو ذكراً من الأذكار، فسبق إلى لسانه كلام البشر لا يبطلها، وبهذا قال مالك والأوزاعي وأحمد وإسحق وأبو ثور. وروي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير وعطاء رضي الله عنهم.
وقال أبو حنيفة والنخعي:"جميع ذلك يبطل الصلاة إلا السلام ناسياً". وقال سعيد بن المسيب والنخعي وحماد:"جنس الكلام يبطل بكل حال، وكذلك السلام ناسياً في أثناء الصلاة".
وقال مالك والأوزاعي:"إن كان لمصلحة الصلاة، لا يبطلها كتنبيه الإمام ودفع المار من بين يديه بالكلام"، وحكي عن الأوزاعي:"لا يبطلها، وان لم يكن هن مصلحة الصلاة كقوله للأعمى: لا تقع في البئر". وهذا كله غلط لما احتج الشافعي من خبر ذي اليدين أنه كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلم القوم ثم بنوا على صلاتهم، وتمام الخبر ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمدينة إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر فسلم من اثنتين، وانصرف وقعد على خشبة في المسجد كالمتفكر، فخرج سرعان الناس، وهم يقولون: قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، فقام رجل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسميه: ذا اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت، فقال:"لم أنس ولم تقصر الصلاة ". وروي أنه قال:"ذلك لم يكن ما قصرت الصلاة ولا نسيت، فقال: أنسيت يا وسول الله؟.
وروي: فقال: بلى قد كان بعض ذلك، فالتفت إلى أبي بكر وعمر، فقال: أو كما قال ذو اليدين؟ فقالا: بلى.
وروي: فقالا برأسيهما: أي نعم، فأقبل على القوم. وقال: أصدق ذو اليدين؟ فأومأ أي: نعم، فرجع وسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه، [١٢٢ أ / ٢] فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر وسجد، ثم سلم، ثم قال: "لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم لكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني.
وسرعان مفتوحة السين والراء هم الذين يقبلون بسرعة، ويقال: سرعان بكسر السين.