لو كان ناوياً عند المضمضة ثم عزيت نيته، فإن غسل شيئاً من ظاهر الوجه عند المضمضة أجزأه؛ لأن نيته قارنت الواجب. ومن أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأنه لم يقصد غسل الوجه. ويلزمه غسل ذلك القدر مرة أخرى، وهذا ليس بشيء وإن لم يكن غسل ... الوجه ففيه وجهان [٤٧ أ/ ١] أحدها: لا يجوز وهو الصحيح؛ لأنه لم يقارن النية بعد الواجب. والثاني: يجوز لأنها قارنت ما هو من وظائف الوضوء وروايته، وهذا اختيار القفال.
فرع آخر
لو نوى عند غسل الوجه، هل يكون فاعلاً سنة المضمضة والاستنشاق؟ من أصحابنا من قال: لا يكون فاعلاً للسنة ولا يجوز فصلها؛ لأنها غربت عن النية. ومن أصحابنا من قال: فيه وجهان: أحدهما هذا. والثاني يكون فاعلاً للنية؛ لأنها من جملة طهارته وقد أتى بالنية لها في محلها.
وأما في غسل الجناية إذا نوى في أول جزء منه فغسله يجوز؛ لأن كل ما سرى منه يكون فرضاً.
وأما صفتها: فإن نوى رفع الحدث أو الطهارة من الحدث جاز. ولو نوى استباحة فعل من الأفعال، فالأفعال هي على ثلاثة أضرب: عنها ما تجب له الطهارة. ومنها ما لا تجب له الطهارة ولا تستحب. ومنها ما يستحب له الطهارة ولا يجب.
فما يجب له الطهارة كصلاة الفرض، والنافلة، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة والشكر وحمل المصحف. فإذا نوى بها فعل شيء من هذه الأشياء ارتفع حدثه وجاز له إذ جمع الصلوات بها؛ لأنه يتضمن ذلك رفع الحدث.
وأما ما لا يجب له الطهارة ولا يستحب كالأكل والشرب، واللباس والطيب، ولقاء السلطان وزيارة الوالدين. فإذا نوى واحد منها لم يرتفع حدثه.
وأما ما يستحب له الطهارة ولا تجب كقراءة القرآن، والقعود [٤٧ ب/ ١] في المسجد.
وسماع الفقه والحديث، والأذان، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا نوى واحده منها هل يرتفع حدثه؟ فيه وجهان: أحدهما - وهو قول الأكثرين-:لا يرتفع حدثه، لأنه أمر يباح من غير طهارة.
والثاني: يرتفع حدثه؛ لأن الأفضل أن يكون على الطهارة. فإذا قصد فقد نوى رفع الحدث، وهذا اختيار بعض مشايخ خراسان. والأول أصح عندي.
وقول الشافعي:" أَوْ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفِ" أراد مماساً للمصحف، وقيل: أراد حمل المصحف، فعبر عنه بالقراءة؛ لأن أكثر ما يحمل المصحف لقراءته.