للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنفاق بالقرابة لم يرجع به كالأب.

واعلم أن جملة مذهبنا أن النفقة تجب على الأب، وإن علا والأم، وإن علت، وتجب على الجدات من قبل الأب والأم والأولاد، إن سلفوا ولا تجب نفقة غيرهم من ذي رحم مرحوم [ق ٢١٢ أ].

وقال أبو حنيفة: تجب كل نفقة كل ذي رحم مرحوم بالنسب مثل الإخوة والأعمام والعمات والخالات والأخوال ولا تجب بني الأعمام. واحتج بقوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] وبقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] وهذا غلط لأن رجلًا قال: يا رسول الله معي دينار، قال: أنفقه على نفسك فقال معي آخر فقال: أنفقه على ولدك الخبر إلى أن قال معي آخر قال: أنت أعلم به ولم يذكر نفقة الأخ والعم، فإن قيل: ولم يذكر الوالد والجد أيضًا. قلنا: اكتفي بالتنبيه في ذلك لأن الوالد أكد حرمة من الولد، فإذا وجب نفقة الولد فنفقة الوالد أولى ولأنه لا يجب النفقة من كسبه ولا مع اختلاف الدين بخلاف الوالدين والأولاد، وأما الآية الأولى محمولة على الميراث ولهذا قال في كتاب الله.

وأما الآية الثانية قلنا: قال ابن عباس: أراد به وعلى الوارث مثل ذلك أن لا تضار والدة بولدها إلا أن عليها النفقة، وقال الأوزاعي: تجب النفقة على جميع العصبات دون ذوي الأرحام من عدا الوالدين والمولودين، وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال مالك: لا تجب إلا نفقة الأب والولد دون الأمهات وأولاد الأولاد، وقال أبو ثور: يجب لكل موروث ولا تجب نفقة من ليس بمورث، وبه قال أحمد لأن الله تعالى علق بمعنى الميراث، فقال: وعلى الوارث مثل ذلك، وهذا غلط لأنها لو كانت على الميراث للزمت على الأم مع وجوب الأب قدر ما يستحق من ميراثه، وأجمعنا على خلافه ومعنى الآية ما ذكرنا أو يحمله على الأولاد بدليل ما ذكرنا.

وقال أبو الخطاب: وإن شذّ عن الفقهاء: تجب النفقة على كل ذي قربى ورحم من قريب وبعيد وينسب هذا [ق ٢١٢ ب] إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو غلط عليه، والدليل على بطلانه ما ذكرنا.

فإذا تقرر هذا فالكلام الآن في ترتيب من تجب عليه النفقة وتقديم بعضهم على بعض، واختلف أصحابنا فيه على طرق:

أحدهما: وهو الأصح أن يقول إذا اجتمع اثنان منهم مثل أب وأم وهما غنيان فالأب أولى بالإنفاق من الأم لأنهما قد اشتركا في الولادة والبعضية وانفرد الأب بالتعصيب والاعتبار بهذه العلة، وإن كان جد وأم فالجد أولى من الأم وإن علا لما ذكرنا من العلة، وبه قال أبو يوسف، وقال أبو حنيفة، وأحمد: يجب على الجد ثلثا النفقة وعلى الأم الثلث اعتبارًا بالميراث وهذا غلط لما ذكرنا.

وأما الميراث يبطل بالأب مع الأم، فإن الميراث لها والنفقة على الأب خاصة وإن اجتمع جد من قبل الأم وجد من قبل الأب، فالجد من قبل الأب، وإن علا أولى لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>