وأما ما ذكروه لا يصح لأن الأب كالأم في مصالحها، وهذا التخيير غير لازم بل هو اختياره وشهوته كما يكون فيما لو [....]، وقيل: للولد أربع أحوال: حالة رضاع، وحالة حضانة، وحالة كفالة، وحالة كفاية، وقد ذكرنا حكم الرضاع وقدرة الشرع بحولين. وأما الحضانة تربيته ومراعاة مصلحته في وقت يعجز عنها ولا تمييز بين ضرها ونفعها وذلك دون سبع سنين فتختص الأم لأنها أحنى عليها وأصبر على مصالحها وشفقتها أكثر، والدليل على هذا ما روي عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني كان بطني له وعاء وثدي له سقاء وحجري له حواء، وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لهال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق ما لم تنكحي" والحق اسم المكان الذي عول الشئ أو معنى هذا الكلام الإدلاء بزيادة الحرمة التي لها.
وأما الكفالة بحفظه ومعونته عند تمييزه قبل كمال قوته [ق ٢٢٤ أ] وذلك بعد سبع سنين.
وأما الحالة الرابعة بعد بلوغها لا كفايتهما بأنفسهما لكمال التمييز والقوة، ولكل واحد منهما أن ينفرد بنفسه ويعتزل أبوه إلا أن يكره للجارية مفارقتهما.
واعلم أن الشافعي قال: ههنا سن التخيير إذا بلغ سبعاً، وقال في موضع آخر: إذا بلغ سبعاً أو ثمان سنين وليس على قولين بل على اختلاف حالين، فإن ظهر التمييز فيه لسبع لفرط ذكائه خير، وإن تأخر لبعد فطنته خير في الثامنة عند ظهور ذلك، ويكون ذلك موكولاً إلى رأي الحاكم واجتهاده عند الترافع إليه.
فإذا تقرر هذا، فإنما يخير بينهما إذا استوت حالهما وهو أن يوجد فيهما أربع شرائط: الحرية، والإسلام، والأمانة، وأن يكون بلدهما واحداً فأما إذا كان أحدهما حراً، والآخر مملوكاً فإن كان الأب هو المملوك فنفقته على أمه وهي أولى بحضانته، وإن كانت الأم مملوكة، فإن الولد عبداً لسيدها وهو أولى بحضانته وتربيته إن شاء استرضع أمه، وإن شاء انتزعه منها وتركه إلى أخرى لترضعه والأولى تركه.
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز أن ينتزعه منها لأنه تفريق بين الأم وولدها فلا يجوز كما لا يجوز في البيع، وإن كانت الأم مملوكة والأب حراً بأن يكون الأب مغروراً، فإن الأب أولى منه، وإن كانا مملوكين والولد حر بأن يتزوج بعد بامرأة على أنها حرة وأولدها، ثم تبين أنها كانت مملوكة فالولد حر.
قال أبو إسحاق: تجب نفقته وحضانته على المسلمين كاللقيط فيجيب على الحاكم أن يستأجر امرأة تحضنه وتنفق عليه من بيت المال.