للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حراثاً، فقرب حزمه زرع، فنزلت نار من السماء فرفعت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، وكان ذلك علامة القبول فازداد حسد قابيل لهابيل، فقال: "لأقتلنك": {قَالَ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ (٢٧) لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ} [المائدة: ٢٧ - ٢٨] فلم يمنع عن نفسه، لأنه لم يؤذن له في المنع منها وهو مأذون فيه الآن، وفي وجوبه للفقهاء قولان: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣٠] فيه تأويلان:

أحدهما: شجعت قاله مجاهد.

والثاني: زينت قاله قتادة.

{فَقَتَلَهُ} [المائدة: ٣٠] قيل: بحجر شرخ به رأسه {فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ} [المائدة: ٣٠] لأنه خسر أخاه وديته {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣١] لأنه ترك أخاه على وجه الأرض ولم يدفنه، لأنه لم ير قبله مقتولاً ولا ميتاً، وفي بحث الغراب قولان:

أحدهما: بحث الأرض على ما يدفنه فيها لقوته قتنبه بذلك على دفن أخيه.

والثاني: أنه بحث على غراب ميت حتى دفنه: {قَالَ يَا ويْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} [المائدة: ٣١] فدفنه حينئذ وواراه فأصبح من النادمين فيه وجهان:

أحدهما: من النادمين، على قتل أخيه.

والثاني: من النادمين على أن ترك مواراة سوأة أخيه، ثم قال تعالى بعدما أنهاه من حال ابني آدم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] أن خلصها من قتل وهلكة وسماه إحياء لما فيه من بقاء الحياة، وإن كان الله تعالى هو المحيي، وفي تسميته بقتل الناس جميعاً وإحياء الناس جميعاً تأويلان:

أحدهما: فكأنما قتل جميع الناس عند المقتول، وكأنما أحيا الناس عند المستفيد وهذا قول ابن مسعود.

والثاني: أن على جميع الناس دم القاتل، كما لو قتلهم جميعاً وعليهم شكر المحيي كما لو أحياهم جميعاً، وهذا أصل في تحريم القتل.

وقد روى معمر عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن ابني آدم ضرباً مثلاً لهذه الأمة فخذوا من خيرهما ودعوا شرهما".

وقال: {مَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [النساء: ٩٣] الآية وهذا أغلظ وعيد يجب

<<  <  ج: ص:  >  >>