الحرمة، محقون الدم على التأييد، فأشبه المسلم فعنه جوابان:
أحدهما: أن اختلاف الحرمتين في المدة لا يمنع من تساويهما في الحكم مع بقاء المدة، ألا ترى أن تحريم الأجنبية مؤقتة، وتحريم ذات المحرم مؤبد، وقد استويا في وجوب الحد في الزنا كذلك ها هنا.
والثاني: أن للنفس بدلين: القود والدية، فلما لم يمنع اختلافهما في الحرمة من تساويهما في الدية لم يمنع من تساويهما في القود، ولأن حد القذف يجب بهتك حرمة العرض، والقود يجب بهتك حرمة النفس، فلما سقط عن المسلم حد قذفه كان أولى أن يسقط عنه القود في نفسه، لأن أخذ النفس أغلظ من استيفاء الحد.
فأما الجواب عن قوله تعالى: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] فمن وجهين:
أحدهما: أنه عائد إلى بني إسرائيل وكانوا أكفاء فلم يجز حكمهم على غير الأكفاء.
والثاني: أنه عموم خص بدليل.
فأما قوله تعالى: {ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] فهو قصاص لهم فلم يجز أن يفعل قصاصاً عليهم.
وأما حديث عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بكافر فهو حديث ضعيف لا يثبته أصحاب الحديث، ثم مرسل، لأن ابن البيلماني ليس بصحابي، والمراسيل عندنا ليست بحجة، ولو سلم الاحتجاج به لما كان فيه دليل، لأنها قضية في عين لا تجري على العموم. وقد يجوز أن يكون القاتل اسلم بعد قتله فقتله به، وإذا احتمل هذا وهذا وجب التوقف عن الاحتجاج.
وأما حديث عمرو بن أمية الضمري فقد أجاب الشافعي عند بثلاثة أجوبة:
أحدها: أن طريقة بن أمية الضمري عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في زمن معاوية، فاستحال ما أضيف إليه.
ولهذا قال الشافعي: وأنت تأخذ العلم، من بعد ليس لك به معرفة أصحابنا يعني: أهل الحرمين، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينهم فكانوا بأقواله وأصحابه أعرف.
والثالث: أن في روايتهم أنه قتله رسول مستأمن، وعندهم أن المسلم لا يقتل بالمستأمن، فلم يكن لهم فيه دليل.
وأما حديث عمر فقد روى أن معاذ بن جبل أنكر عليه.
وروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقتل مؤمن بكافر" وأن زيد بن ثابت قال له: لا تقتل أخاك بعبدك فرجع عنه، وكتب إلى أبي موسى أن لا تقتله به، فصار ذلك إجماعاً.