يقاد من الأنقص بالأكمل فيجوز أن يقتل الكافر بالمسلم، وإن لم يجز أن يقتل المسلم بالكافر، ويجوز أن يقتل العبد بالحر، وإن لم يجز أن يقتل الحر بالعبد، ويجوز أن يقتل الولد بالوالد، وإن لم يجز أن يقتل الوالد بالولد، لأن أخذ الأنقص بالأكمل اقتصار على بعض الحق، وأخذ الأكمل بالأنقص استفضال على الحق فيجوز الاقتصار فيه، ومنع من الاستفضال عليه، فلو بذل الأكمل نفسه بالأنقص فبذل الحر نفسه بقتل العبد، وبذل المسلم نفسه بقتل الكافر، وبذل الوالد نفسه بقتل الولد، لم يجز أن يقاد من واحد منهم، لأن القود إذا لم يجب لم يستبح بالبذل، كما لو بذل نفسه أن يقتل بغير قود لقول الله:{ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء: ٢٩].
مسألة:
قال الشافعي:"ومن جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه القصاص في الجراح".
قال في الحاوي: وهذا صحيح كل بينهما القصاص في النفس جرى القصاص بينهما في الأطراف والجراح، سواء اتفقا في الدية كالحرين المسلمين أو اختلفا في الدية، كالرجل والمرأة والعبيد إذا تفاضلت فيهم، وإن لم يجز القصاص بينهما في النفس لم يجز في الأطراف كالمسلم مع الكافر والعبد مع الحر.
وقال أبو حنيفة: إن اختلفت دياتهما جرى القصاص بينهما في النفس دون الأطراف كالرجل مع المرأة بقتله بها، ولا يقطع يده بيدها، والعبيد إذا تفاضلت قيمهم، وقل أن تكون متفقة، فيوجب القود بينهم في النفوس، لأنه لا يجوز أن تؤخذ اليد السليمة بالشلاء، وتؤخذ النفس السليمة بالنفس السقيمة، فلم يمنع تفاضل الديات من القود في النفوس، ومنع من القود في الأطراف، ولأن أطراف الرجل أعم نفعاً من أطراف المرأة لاختصاصهما بالتصرف في الأعمال والاكتساب، فلم يتكافأها أطراف المرأة فسقط القود فيها.
ودليلنا قول الله تعالى:{وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}[المائدة: ٤٥] إلى قوله: {والْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فكان على عمومه. ولأن كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى في الأطراف كالرجلين.
ولأن كل قصاص جرى بين الرجلين والمرأتين جاز أن يجري بين الرجل والمرأة كالنفوس، وكل قصاص جرى بين الحرين جرى بين العبدين كالنفوس، وقد مضى الجواب عن استدلاله باعتبار التكافؤ في الأطراف دون النفس بأنه معتبر في الأمرين، وفي الشلل حكم نذكره في موضعه، وما ذكره من اختصاص أطراف الرجل بالمنافع