قال في الحاوي: أعلم أن اشتراك الجماعة في قتل الواحد تنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون كل واحد منهم موجباً مثل أن يذبحه أحدهما ويبقر الآخر بطنه ويقطع حشوته فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يفعلا ذلك معاً في حالة واحدة، فيكونا جميعاً قاتلين، ويجب القود عليهما، وتؤخذ الدية منهما.
والثاني: أن يتقدم أحدهما على الآخر فيوجئه ثم يتلوه الآخر مع بقاء النفس ووجود الحركة فيوجئ حتى يطفا ويبرد، فالأول منهما هو القاتل، وعليه القود وجميع الدية، دون الثاني، لأن فوات الحياة منسوب إلى فعل الأول، ولا يجري على ما بقي من النفس والحركة حكم الحياة، ولو مات له في هذه الحالة ميت لم يرثه، ولو أوصى له بمال لم يملكه، ولو انقلب على طفل فقتله لم يضمنه، ويعزز الثاني أدباً وزجراً.
فصل:
والقسم الثاني: أن يكون كل واحد منهم جارحاً أو قاطعاً غير موج فيكون جميعهم في قتله سواء اجتمعوا في وقت واحد أو تفرقوا، وسواء اتفقوا في عدد الجرح أو اختلفوا حتى لو جرحه واحدة، وجرحه الآخر مائه جراحة، كانوا في قتله سواء وعليهم القود والدية بينهم بالسوية، لا على عدد الجراح لأنه يجوز أن يموت من الجرح الواحد، ويحيا من مائة جرح، أما لاختلاف المواضع القاتلة، وإما لاختلاف مورد الحديد في دخوله في جسده، وذلك غير مشاهدة.
فلهذا لم تقسط الدية على عدد الجراح، وتقسطت على عدد الجناة الجناية.
فإن قيل: أفليس الجلاد لو حد القاذف أحداً وثمانين سوطاً فمات كان عليه من الدية جزء من إحدى وثمانين جزءاً فهلا كان الجناة في أعداد الجراح كذلك؟ قيل: في الجلاد قولان:
أحدهما: عليه نصف الدية لفوات النفس من وجهين، مباح، ومحظور، ولا اعتبار بعدد الجلد، وتساوي حكم الجناة.
والثاني: أنه تتقسط الدية على عدد الجلد ولا تتقسط على أعداد الجراح، والفرق بينهما: أن محل الجلد مشاهد يعلم به التساوي فتقسطت الدية على عدده ومور الجراح غير مشاهد لا يعلم به التساوي فلم تتقسط الدية فيه على عدده.
فصل:
والقسم الثالث: أن يكون أحدهما جارحاً، والآخر موج فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يتقدم الجارح على الموجئ فيؤخذ كل واحد منهما بحكم جنايته، فيكون الأول جارحاً فيقتص منه في الجراح، إن كان مثله قصاص أو يؤخذ منه ديته، إن لم يكن فيه قصاص، ويكون الثاني قاتلاً يقتص منه في النفس، أو تؤخذ منه جميع الدية،