ولأن كل واحد من الجماعة ينطلق اسم القتل عليه، فوجب أن يجري عليه حكمه كالواحد، ولأن ما وجب في قتل الواحد لم يسقط في قتل الجماعة كالدية.
فأما قوله تعالى:{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥] وقوله: {الحُرُّ بِالْحُرِّ}[البقرة: ١٧٨] فستعمل في الجنس لأن النفس تنطلق على النفوس، والحر ينطلق على الأحرار وقوله:{فَلا يُسْرِف فِّي القَتْلِ}[الإسراء: ٣٣] يريد أن لا يقتل غير قاتله على أن قوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}[الإسراء: ٣٣] يقتضي أن يكون سلطانه في الجماعة كسلطانه في الواحد فصارت الآية دليلنا.
وأما حديث الضحاك فمرسل منكور وإن صح كان محمولاً على المسك والقاتل، فيقتل به دون المسك.
وقولهم إن دم الواحد لا يكافئ دم الجماعة غير صحيح، لأن حرمة الواحد كحرمة الجماعة لقول الله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: ٣٢] فوجب أن يكون القود فيهما واحداً، وليس يوجب قتل الجماعة بالواحد، أن تقتل الواحد بالجماعة، وإن قال به أبو حنيفة لأن المقصود بالقود حقن الدماء، وأن لا تهدر فقتل الجماعة بالواحد لئلا تهدر دماؤهم.
وقولهم: لما منع زيادة الوصف ممن القود كان أولى أن يمنع من زيادة العدد، فالفرق بينهما أن زيادة الوصف منعت من وجود المماثلة في الواحد فلم تمنع في الجماعة ألا ترى أن زيادة الوصف في القاذف تمنع من وجوب الحد عليه، وزيادة العدد لا يمنع من وجوب الحد عليهم وقولهم: لما لم تستحق بقتله ديتان لم تستحق به قودان فعنه جوابان:
أحدهما: أن الدية تتبعض فلم يجب أكثر منها، والقود لا يتبعض فعم حكمه كسرقة الجماعة لما أوجبت غرماً يتبعض، وقطعاً لا يتبعض اشتركوا في غرم واحد وقطع كل واحد منهم.
والثاني: أن القود موضوع للزجر والردع فلزم في الجماعة كلزومه في الواحد، والدية بدل من النفس فلم يلزم فيها إلا بدل واحد، فإذا ثبت قتل الجماعة بالواحد:
كان الولي فيه بالخيار بين ثلاثة أحوال: إما أن يقتص من جميعهم أو يعفوا عن جميعهم، إلى الدية فتسقط الدية الواحدة بينهم على أعدادهم، أو يعفو عن بعضهم، ويقتص من بعضهم، ويأخذ ممن عفا عنه من الدية بقسطه.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله:"ولو جرحه أحدهما مائة جرح والآخر جرحا واحد فمات كانوا في القود سواء".