ودليلنا قول الله تعالى:{ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] وسبب الحياة أنه إذا علم القاتل بوجوب القصاص عليه إذا قتل كف عن القتل، فحي القاتل والمقتول، فلو لم تقتص من الجماعة بالواحد، لما كان في القصاص حياة، ولكان القاتل إذا هم بالقتل شارك غيره فسقط القصاص عنهما وصار رافعاً لحكم النص.
وروى أبو شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله، فمن قتل بعد قتيلاً فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل". وهذا الخبر وارد في قتل الجماعة لواحد لأنه قال:"ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل" ثم قال: "فمن قتل بعده قتيلاً" ومن ينطلق على الجماعة كانطلاقه على الواحد ثم قال: "فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل، فدل على قتل الجماعة بالواحد، لأن الحكم إذا ورد على سبب، لم يجز أن يكون السبب خارجاً من ذلك الحكم.
وروى ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيله وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعاً به. والقتل على أنواع غيلة، وفتك، وغدر، وصبر.
فالغيلة: الحيلة وهو أن يحتالوا له بالتمكن من الاستخفاء حتى يقتلوه.
والفتك: أن يكون آمناً فيراقب حتى يقتل.
والغدر: أن يقتل بعد أمانه.
والصبر: قتل الأسير محاصرة.
وروي عن علي عليه السلام أنه قتل ثلاثة قتلوا واحد وكتب إلى أهل النهروان حين قتلوا عامله خباب بن الأرت سلموا إلى قاتله قالوا: كلنا قتله قال: فاستسلموا إذن أقد منكم، وسار إليهم فقتل أكثرهم.
وقتل المغيرة بن شعبة سبعة بواحد.
وقال ابن عباس: إذا قتل جماعة واحداً قتلوا به ولو كانوا مائة. وهذا قول أربعة من الصحابة فيهم إمامان عملاً بما قالا به فلم يقابلهم قول معاذ بن الزبير وصار ربيعة وداود خارجين من قول الفريقين بإحداث قول ثالث خالف فيه الفريقين فصارا مخالفين للإجماع، لأن من أحدث قولاً ثالثاً بعد قولين أحدث قولاً ثانياً بعد أول، ولأن قتل النفس أغلظ من هتك العرض بالقذف فلما حد الجماعة بقتل الواحد، كان أولى أن يقتلوا بقتل الواحد.