ودليلنا قول الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإحْسَانٍ}[البقرة:١٧٨] معناه فمن عفا له عن القصاص فليتبع الولي الدية بمعروف، ويؤديها القاتل بإحسان فجعل للولي الإتباع، وعلى القاتل الأداء فلما تفرد القاتل بالأداء وجب أن ينفرد الولي بالإتباع ولا يقف على المراضاة.
وحديث أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله، فمن قتل قتيلًا بعده فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل". فجعل الولي مخيرًا بين القود والدية وهذا نص.
فإن قيل: فقد روي: "إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا فادوا" والمفاداة لا تكون إلا عن مراضاة.
قيل: هذه رواية شاذة، وتحمل المفاداة فيها على بذلك الدية التي لا تستحق إلا عن مراضاة، ويحمل خبرنا في خيار الولي على أصل الدية التي لا تفتقر إلى مراضاة ليستعمل الخبرين، ولا يسقط أحدهما بالآخر، ولأن القود قد يسقط بعفو الولي إذا كان واحدًا، ويعفو أحدهم إذا كانوا جماعة، ثم ثبت أن سقوطه بعفو أحدهم موجب للدية بغير مراضاة فكذلك يكون وجوبها بعفو جميعهم.
وتحريره قياسًا: أنه قود سقط بالعفو عنه فلم تقف الدية فيه على مراضاة كما لو عفا عنه أحدهم.
ولأن استحقاق القود لا يمنع من اختيار الدية كما لو قطع كفًا كاملة الأصابع، وفي كفه أربعة أصابع كان المجني عليه عندنا وعندهم بالخيار بين القصاص والدية.
فإن أحب الدية أخذ دية كاملة، وإن أحب القصاص اقتص عندهم بالكف الناقصة، ولا شيء له غيرها، وعندنا يقتص منها، ويؤخذ دية الأصبع الناقصة من كف الجاني، ولأن للقتل بدلين، أغلظهما القود وأخفهما الدية فلما ملك القود الأغلط بغير مراضاة كان بأن يملك الدية الأخف بغير مراضاة أولى، ولأن قتل العمد أغلظ وقتل الخطأ أخف، فلما ملك الدية في أخفهما فأولى أن يملكها في أغلظهما. فأما الجواب عن الآيتين: فهو أن وجوب القصاص فيهما لا يمنع من العفو عنه إلى غريه كالمراضاة.
وأما قياسهم على إتلاف المال فالمعنى فيه: أنه ليس له العمد والخطأ إلا بدل واحد، وللقتل بدلان فافترقا.
وقولهم: لما لم يملك العدول عن دية الخطأ إلا بالمراضاة كذلك القود العمد.
فالجواب عنه أن القود أغلظ والدية أخف فملك إسقاط الأغلظ بالأخف، ولم