للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يملك إسقاط الأخف بالأغلظ، وما اعتبروه من قتل الدفع الذي لا يملك فيه الدية فلا يشبه قتل القود؛ لأنه يملك بقتل الدفع إحياء نفسه فلم يجز أن يبدلها بالدية مراضاة ولا اختيارًا، وليس كذلك قتل القود، لأنه ملك به استيفاء حق يجوز أن يعدل عنه بالمراضاة، فجاز أن يعدل عنه بغير مراضاة.

فصل:

فإذا ثبت أن استحقاق الدية في قتل العمد لا يقف على مراضاة القاتل، فقد اختلف قول الشافعي فيما يوجبه قتل العمد على قولين:

أحدهما: أنه موجب لأحد أمرين من القود، أو الدية، وكلاهما بدل من النفس، وليست الدية بدلًا من القود، والولي فيهما بالخيار، كالحالف مخير في الكفارة بين الإطعام والكسوة والعتق.

ووجه ذلك شيئان:

أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم "فمن قتل بعده قتيلًا فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل" وتخيرهم بين القود والدية يقتضي أن يكون كل واحد منهما بدلًا من القتل كالكفارة.

والثاني: أن الدية بدل من نفس المقتول دون القاتل، بدليل أن المرأة لو قتلت رجلًا وجب عليها دية الرجل، فلو جعلت الدية بدلًا من القود صارت بدلًا من نفس القاتل دون المقتول، ولو وجب على المرأة إذا قتلت رجلًا أن يؤخذ منها دية امرأة، إذا ثبت أن الدية بدلًا من نفس المقتول جرت مجرى القد فصارا واجبين بالقتل.

والقول الثاني: أن قتل العمد موجب للقود وحده، وهو بدل النفس، فإن عدل عنه إلى الدية كانت بدلًا من القود فيصير بدلًا عن النفس ووجهه شيئان:

أحدهما: قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى} [البقرة:١٨٧] فدل على أن الذي يجب له القصاص وحده.

والثاني: أن قتل الخطأ لما أوجب بدلًا واحدًا، وهو الدية اعتبارًا بالمتلفات التي ليس لها مثل، اقتضى أن يكون قتل العمد موجبًا لبدل واحد، وهو القود اعتبارًا بالمتلفات التي لها مثل.

فصل:

فإذا تقرر توجيه القولين كان القود مستحقًا على كلا القولين وترتب استحقاق الدية على اختلاف القولين.

فإن قلنا القول الأول إن قتل العمد موجب لأحد شيئين إما القود أو الدية فلولي المقتول في الاختيار والعفو سبعة أحوال:

أحدها: أن يختار القود، فلا يسقط حقه من الدية إلا أن يقتص، فإن عدل القود

<<  <  ج: ص:  >  >>