فذهب الشافعي إلى أن القود موقوف لا يجوز أن ينفرد به الرشيد حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون، ويجتمعون على استيفائه، ولا يجوز لولي الصغير أن ينوب عنه في الاستيفاء.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز للرشيد منهم أن ينفرد باستيفاء القود ولا ينتظر بلوغ الصغير وإفاقة المجنون، ولو كان مستحقه صغيرًا أو مجنونًا لوليه أن ينوب عنه في استيفائه استدلالًا بقول الله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:٣٣] فذكره بلفظ الواحد فدل على جواز أن يستوفيه الولي الواحد.
ولأن ابن ملجم قتل عليًا رضوان الله عليه فاقتص منه ابنه الحسن، وقد شاركه من أخوته صغار لم يبلغوا، ولم يقف القود على بلوغهم ولم يخالفه أحد من الصحابة رضي الله عنهم، فصار إجماعًا على جواز تفرده به.
قال: ولأن للقود حق يصح فيه النيابة فجاز إذا لم يتبعض أن ينفرد به بعضهم كولاية النكاح، ولأن القود إذا وجب لجماعة لم يمتنع أن ينفرد باستيفائه واحد، كالقتيل إذا لم يترك وارثًا استحق قوده جماعة المسلمين، وكان للإمام أن ينفرد باستيفائه.
ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن قتل بعده قتيلًا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل" فجعل ذلك لجماعتهم، فلم يجز أن ينفرد به بعضهم، لما فيه من العدول عن مقتضى الخير.
ولأن القود إذا تعين لجماعة لم يجز أن ينفرد به بعضهم، كما لو كانوا جميعًا أهل رشد.
ولأن القود أحد بدلي النفس فلم يجز أن يستوفيه بعض الورثة كالدية. ولأن كل من لم ينفرد باستيفاء الدية لم يجز أن ينفرد باستيفاء القود كالأجانب.
وأما الآية فمحمولة على الولي إذا كان واحدًا.
وأما تفرد الحسن بقتل ابن ملجم لعنه الله فعنه جوابان:
أحدهما: أنه قد كان في شركائه من البالغين من لم يستأذنه، لأن عليًا خلف حين قتل على ما حكاه بعض أهل النقل ستة عشر ذكرًا وست عشرة أنثى فيكون جوابهم عن ترك استئذانه للأكابر جوابنا في ترك وقوفه على بلوغ الأصاغر.
والثاني: أن ابن ملجم انحتم قتله لسعيه بالفساد، لأن من قتل إمام عدل فقد سعي في الأرض فسادًا فصار محتوم القتل، لا يجوز العفو عنه فلا يلزم استئذان الورثة فيه.
والجواب الثالث: أن ابن ملجم استحل قتل علي عليه السلام فصار باستحلاله قتله كافرًا، لأن من استحل قتلٍ إمام عدل كان كافرًا فقته الحسن لكفره ولم يقتله قودًا، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أيقظ عليًا من نومه في بعض الأسفار، وقد سيقت الريح عليه التراب، فقال: قم يا أبا تراب، ثم قال: أتعرف أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله ورسوله