والثاني: أن فرض النسخ لازم للكافة مع البلاغ، وإن لم ينتشر في جميعهم ولا علمه أكثرهم، لأن حكم الله تعالى على الجماعة واحد.
فصل:
فإذا تقرر ما ذكرنا من القولين، فإن قيل بالأول إنه لا ضمان على الوكيل من قود ولا عقل فقتل الوكيل للجاني يكون قودا ويكون عفو الموكل باطلا، واختلف أصحابنا على هذا القول في الوكيل هل تلزمه الكفارة أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا كفارة عليه، لأنه قد أجرى على قتله حكم استيفائه قودا.
والثاني: عليه الكفارة كمن رمى دار الحرب فقتل مسلما ضمنه وكفر عنه.
وإن قيل بالقول الثاني إن الوكيل ضامن للدية، فعفو الموكل صحيح وحقه في الدية إذا استوجبها على ما مضى من التفصيل مستحق على الجاني قاتل أبيه يرجع بها في ماله ولا يرجع بها على وكيله، ويرجع أولياء القاتل المقتول بديته على الوكيل، وهل تكون حاله في مال الوكيل أو مؤجلة على عاقلته على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق تكون حالة في ماله مع الكفارة، لأنه عامد في فعله وإنما سقط القود فيه بشبهته.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة تكون مؤجلة على عاقلته والكفارة في ماله؛ لأنه قتله معتقدا لاستباحة قتله فصادف الحظر فصار خاطئا فإذا أغرم الوكيل الدية ففي رجوعه على موكله بها قولان، كالزوج المغرور إذا أغرم مهر المثل بالغرور هل يرجع به على الغارم أم لا؟ على قولين، لأن الموكل قد صار بعفوه غارا للوكيل حين لم يعلمه بعفوه، وسواء كان هذا الوكيل مستعملا أو متطوعا، وهكذا الحكم في الأطراف إذا اقتص منها الوكيل بعد العفو.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله:"ولا تقتل الحامل حتى تضع، فإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي أن لو تركت بطيب نفس الولي حتى يوجد له مرضع، فإن لم يفعل قتلت. قال المزني رحمه الله: إذا لم يوجد للمولود ما يحيا به لم يحل عندي قتله بقتل أمه حتى يوجد ما يحيا به فيقتل".
قال في الحاوي: إذا وجب القصاص على حامل أو وجب عليها وهي حائل فحملت، لم يجز أن يقتص منها حاملا حتى تضع لقول الله تعالى:{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِف فِّي القَتْلِ}[الإسراء: ٣٣] وفي قتل الحامل سرف للتعدي بقتل الحمل معها، ولأن الغامدية أقرت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم بالزنا وهي حامل، وقالت: طهرني يا