رسول الله (صلى) الله عليه وسلم فقال لها: "اذهبي حتى تضعي حملك" وأمر عمر برجم امرأة أقرت بالزنا وهي حامل فردها علي وقال لعمر رضي الله عنهما: إنه لا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر:"لولا علي لهلك عمر".
وقيل: بل كان القائل ذلك معاذ بن جبل فقال له عمر: "كاد النساء يعجزون أن يلدن مثلك" والأول أشهر ولأنه قد تقابل في الحامل حقان:
أحدهما: يوجب تعجيل قتلها وهو القصاص.
والثاني: استبقاء حياتها وهو الحمل، فقدم حق الحمل في الاستيفاء على حق القصاص في التعجيل لأن في تعجيل قتلها إسقاط أحد الحقين وفي إنظارها استيفاء الحقين، فكان الإنظار أولى من التعجيل، وسواء كانت في أول الحمل أو في آخره، علم ذلك بحركة الحمل أو لم يعلم إلا بقولها ليستبرأ صحة دعواها.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا تقبل دعواها للحمل حتى يشهد به أربع نسوة عدول، ويعجل قتلها إن لم يشهدن لها، وهذا خطأ لقول الله تعالى:{ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ}[البقرة: ٢٢٨] فكان هذا الوعيد على ما وجب من قبول قولها فيه، وتحلف عليه إن اتهمت، فإذا وضعت حملها أمهلت حتى ترضع ولدها اللبأ الذي لا يحيا المولود إلا به، ويتعذر وجوده من غيرها في الأغلب، فإذا أرضعته ما لا يحيا إلا به لكم يخل خاله في رضاعه من أربعة أقسام:
أحدها: أن لا يوجد له مرضع سواها، فالواجب الصبر عليها حتى تستكمل رضاعة حولين كاملين، لأنه لما أخرناها لحفظ حياته فأولى أن نؤخرها لحفظ حياته مولودا، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قال للغامدية حين عادت إليه بعد وضع حملها:"اذهبي حتى ترضعيه حولين كاملين".
والثاني: أن يوجد له مرضع قد تعينت وسلم إليها ملازمة لرضاعه فيقتص منها في الحال، وإن كانت في بقية نفاسها، لأنه لم يبق للولد عليها حق ولا لحياته بها تعلق.
والثالث: أن يوجد له من لا يترتب لرضاعه من النساء على الدوام، أو يوجد له بهيمة ذات لبن يكتفي بلبنها ولا يوجد لرضاعه أحد النساء، فيقال لولي القصاص. الأولى بك أن تصبر عليها لتقوم برضاعه، لئلا يختلف عليه لبن النساء إذا لم يترتب له إحداهن، أو يعدل به إلى لبن بهيمة ولبن النساء أوثق له، ولا يلزمك الصبر، لأن فيما يوجد من لبن البهيمة ومن لا يترتب له من النساء حفظ لحياته فإن صبر مختارا أخر قتلها، وإن امتنع وطلب التعجيل قتلت ولم تؤخر، وهو معنى قول الشافعي "فإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي لو ترك بطيب نفس الولي حتى يوجد له مرضع، فإن لم يفعل قتلت، وليس كما توهمه المزني أنه أراد إذا لم يوجد له مرضع أبدا.
والرابع: أن يعلم أنه سيوجد له مرضع يترتب لرضاعه، ولكن لم يتعين في الحال ولا تسلمته، ففي تعجيل قتلها قبل تعيين مرضعة وتسليمه وجهان: