بعدم ملكه وقف استحقاقها بعد موته, وكذلك لو مات معسرًا.
وقوله: "إن نفسه غير مضمونة عليه" فعنه جوابان:
أحدهما: أنه لما جاز أن يضمنها حيًا ببذل الدية جاز أن يضمنها ميتًا بوجوب الدية.
والثاني: أن يضمن الدية بدلًا من نفس قتيله لا من نفسه.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "ولو قطع يده من مفصل الكوع فلم يبرأ حتى قطعها آخر من المرفق ثم مات فعليهما القود يقطع قاطع الكف من الكوع ويد الآخر من المرفق ثم يقتلان لأن ألم القطع الأول واصل إلي الجسد كله".
قال في الحاوي: وهذا كما قال إذا توالت جنايتان فأزالت الثانية منهما محل الأولى, مثل أن يقطع أحدهما يده من مفصل الكوع, ويقطع الثاني بقيتهما من الكتف أو المرفق أو يقطع أحدهما إصبعه ويقطع الثاني بقية كفه, أو يكون مثل ذلك في قطع القدم والساق, ثم يموت المقطوع ودمه سائل, فمذهب الشافعي أنهما قاتلان, وعليهما القصاص في الطرف وفي النفس.
وقال أبو حنيفة: الأول قاطع يجب عليه القصاص في اليد دون النفس. والثاني: يجب عليه القصاص في النفس دون اليد, احتجاجا بأن السراية تحدث عن محل الجناية, فإذا زال محلها زالت سرايتها لانقطاع مادتها, ألا ترى أن سراية الأكلة تزول بقطع محلها, فصار انقطاعها كالاندمال, وصار الثاني الكمنفرد, أو الموجيء فوجب أن يكون هو القاتل دون الأول.
ودليلنا هو أن يموت بالسراية حادث عن ألمها, وألم القطع الأول قد سرى في الحال إلي الجسد كله قبل القطع الثاني, فانتقل محله إلي القلب الذي هو مادة الحياة فإذا حدث القطع الثاني أحدث ألمًا ثانيًا زاد على الألم الأول, فصار الموت حادثًا عنهما لا عن الثاني منهما, كمن سجر تنورًا بنار حمى ثم أخرج سجاره وسجره بأخرى تكامل حماه بهما لم يكن تكامل الحمى منسوبًا إلي السجار الثاني, وإن زال السجار الأةل' بل كان منسوبًا إليهما, كذلك تكامل الألم في القلب لم يكن بالقطع الثاني دون الأول, بل كان بالثاني والأول.
فإن قيل: فزيادة الألم منقطعة وزيادة الألم الثاني مستديمة, فيجب أن يكون الموت منسوبًا إلي الألم الثاني لاتصال مادته دون الألم والأول لانقطاع مادته عنه جوابان:
أحدهما: أن هذا يقتضي زيادة الألم الثاني وقلة الأول, وليس اختلافهما في القلة