والكثرة مانعًا من تاسويهما في القتل, كما لو جرحاه فكانت جراحة أحدهما أكثر ألمًا كانا سواء في قتله.
والثاني: أن انقطاع أسباب الألم لم يمنع من مساواة ما بقيت أسبابه في إضافة القتل إليهما, كما لو ضربه أحدهما بخشبة وجرحه الآخر بسيف كانا شريكين في قتله, وإن كان أثر الخشبة مرتفعًا وأثر السيف باقيًا, وفي هذين الجوابين دليل في المسألة وانفصال عن الاعتراض وما ذكروه من قطع الأكلة لانقطاع سرايتها فالمقصود به قطع الزيادة دون الإزالة, وأن لا يسري إلي ما داوزه, وأما الاندمال فلا يكون إلا بعد زوال الألم والقطع لا يزيل الألم وإنما يقطع زيادته فافترقا.
وأما التوجئة فلا بقاء للنفس معها, فارتفع بها حكم السراية, وناظرتي في هذه المسألة القاضي أبو بكر الأشعري, وقد استدللت فيها بما تقدم, فاعترض عليّ بأن الألم عرض لا يبقى زمانين فاستحال أن يبقى مع انقطاع مادته فأجبته عنه بأن الألم لما وصل إلي القلب صار محلًا له, فتوالت منه مواده كما يتوالى من محل القطع.
فصل:
فإذا ثبت أنهما قاتلان فللولي أن يقتص من الأول, فيقطع يده بالجناية ويقتله بالسراية, فأما الثاني فإن كان أقطع الكف فللولي أن يقطع ذراعه من المرفق بالجناية ويقتله بالسراية, وإن كانت كفه باقية على ذراعه جاز له أن يقتله, وفي جواز قطع ذراعه قبل قتله قولان:
أحدهما: وهو المنصوص عليه ها هنا يجوز, لأن المقصود به إفاته نفسه فلم تعتبر زيادته.
والثاني: لا يجوز أن يقطع؛ لأنه إيجاب قصاص فيما ليس فيه قصاص, وهكذا كل جرح إذا انفرد لم يقتص منه كالجائفة والمأمومة إذا صارتا نفساً, ففي جواز القاص منه عند إرادة قتله قولان:
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإذا تشاح الولاة قيل لهم لا يقتله إلا واحد منكم فإن سلمتم لواحد أو لأجنبي جاز قتله وإن تشاححتم أقرعنا بينكم أيكم خرجت قرعته خليناه وقتله ويضرب بأصرم سيف وأشد ضرب".
قال في الحاوي: قد مضت هذه المسألة وهي تشتمل على فصلين:
أحدهما: صفة القصاص وقد استوفيناه, وذكرنا أنه إن كان في طرف استوفاه الإمام, وإن كان في نفس استوفاه الأولياء.