والفرق بينهما: أن مجاوزة القصاص إلي الزيادة لما أوجب اختلاف الحكم في المستحق والعدوان تميزًا, فصارت كل واحدة منهما موضحة غير الأخرى, فلذلك كمل أرشها وما نقص عن استيفاء لم يختلف حكمه في الاستحقاق والعدوان فلم يتميز, وصار موضحة واحدة فرجع بقسط باقيها من أرشها, فإن كانت الزيادة من اضطراب المستوفي منه عند القصاص كانت هدرًا, فلو اختلفا والحال مشتبه كان القول قول المستوفي؛ لأن الأصل براءة ذمته, ويحتمل وجهًا ثانيًا من المقلوف إذا قطع واختف في وجود جناية عند القطع أن يكون القول قول المستفاد منه إذا قيل في الملقوف أن القول قول وليه, وإن كان الفرق بينهما لائحًا, فلو كانت موضحة المشجوج قد وضح وسطها حتى تبرز العظم وتلاحم طرفاها حتى بقي عليه اللحم وجب القصاص فيما وضح عن العظم, والأرش دون القصاص فيما تلاحم من الطرفين, لأن المتلاحمة لما سقط فيها القصاص إذا انفردت سقط فيها إذا اتصلت بالموضحة وكانت حكومتها أقل من قسطها وأرش الموضحة لنقصانها عن حكم الموضحة.
فصل:
وإذا أوضحه موضحتين وأكثر, كان المشجوج مخير فيها بين ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يعفو عن الاقتصاص عن جميعها إلي الدية, فيستحق في كل موضحة أرشًا, كما يستوي فيه أرش ما صغر منها وما كبر, وسواء تقاربت أو تباعدت.
والثانية: أن يقتص من جميعها فيقاد في يوم واحد إن شاء أو في أيام شتى إلا أن يخاف على نفس الشاج إن اقتص من جميعها في يوم واحد, إما المرض أو شدة حر أو برد فلا يجمع عليه بين الاقتصاص من جميعها ويقتص من واحدة, فإذا اندملت اقتص من غيرها, وهكذا لو كانت الموضحة واحدة قد استوعبت طول الرأس وعرضه وخيف على نفسه إن اقتص من جميعها في يوم واحد جاز أن يفرق الاقتصاص منها, ويستوفي في وقت بعد وقت, ولو قيل: يستوفي الموضحة الواحدة في وقت واحد وإن خيف منها كما يقطع اليد قصاصًا وإن خيف منها كان لو وجه.
والثالثة: إن يقتص من بعضها ويعفو إلي الدية عن باقيها, فيكون مخيرًا في الاقتصاص من أيهما شاء من صغير وكبير شائن, ويرجع بأروش باقيها متساوية على أعدادها, والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وكذا كل جرح يقتص منه".
قال في الحاوي: وهذا صحيح, والجراح ما كان في الجسد, والشجاج ما كان في