للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتعلقها برقبة عبده، وإذا كان كذلك لم يخل حال العفو من ثلاثة أقسام:

أحدهما: أن يكون مطلقا.

والثاني: أن يضاف إلى العبد.

والثالث: أن يضاف إلى السيد.

فإذا كان مطلقا بأن قال الجاني: عفوت عنها وعما يحدث عنها من عقل وقود صح العفو عن القود في حق العبد، وصح عن الدية في حق السيد، وسواء جازت الوصية للقاتل أو لم تجز، لأنها وصية للسيد والسيد غير قاتل، وإن كان العفو مضافا إلى العبد بأن قال له المجني عليه قد عفوت عنك وعما يجب لي عليك من قود وعقل صح العفو عن القود ولم يصح عفوه عن الدية لوجوب القود على العبد ووجوب الدية على السيد، وإن كان العفو مضافا إلى السيد بأن قال المجني عليه: قد عفوت عما وجب لي على سيدك من قود وعقل صح عفوه عن الدية ولم يصح عفوه عن القود لوجوب الدية على السيد ووجوب القود على العبد.

مسألة:

قال المزني رضي الله عنه: ((قال -يعني الشافعي ولأنه قال في قتل الخطأ لو عفا عن أرش الجناية جاز عفوه لأنها وصية لغير فاتل)).

وهذه المسألة الثانية التي أوردها المزني لحجاجه وهو أن تكون الجناية خطأ فيعفو عنها المجني عليه ثم تسري إلى نفسه فيموت منها فلا يخلو ثبوت هذه الجناية من أحد أمرين إما بأن تكون بإقرار أو بينة فإن أقر بها الجاني وعدمت فيها البينة لزمت بإقراره كما يلزم جناية العمد.

وقال مالك: لا يلزم إقراره بجناية الخطأ وإن لزم بجناية العمد، لأن دية الخطأ على العاقلة فصار مقرا بها على غيره فبطل إقراره وهذا فاسد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحمل العاقلة عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا)). فأثبت للاعتراف حكما ونفاه عن العاقلة فدل على لزومه، ولأن للقتل الخطأ حكمين الكفارة والدية، لقول الله تعالى:} فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ {[النساء: ٩٢] فإذا وجبت الكفارة بإقراره وجبت به الدية، ولأن ما وجب بالبينة وجب بالإقرار كالدين، وإذا لزم إقراره بها وجبت الدية عليه دون عاقلته إذا لم يصدقوه لتوجه التهمة إليه، ولذلك أسقطها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وإذا لزمته الدية وقد صار قاتلا جرى على العفو عنها حكم العفو عن دية العمد في إبطاله إن أردت الوصية للقاتل وجوازه إن أمضيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>