العفو عن القود ولم يصح عن الدية، فهذا حكم عفوه على القول الذي ترد فيه الوصية للقاتل.
وإن قيل بجواز الوصية للقاتل اعتبر حال عفوه، فإن خرج مخرج الوصية فقال: قد وصيت له بها وبما حدث عنها من قود وعقل، صح عفوه عن جميع الدية ما وجب منها قبل العفو من دية الإصبع وما حدث بعده من دية النفس، وإن لم تكن قد وجبت عند العفو، لأن الوصايا تصح بما وجب ربما سيجب، وبما ملك وبما سيملك، وإذا صار ذلك وصية كانت الدية معتبرة من الثلث كسائر الوصايا، فإن احتملها الثلث صح جميعها فيبرأ الجاني من الدية كلها، وإن لم يحتملها الثلث أمضى منها قدر ما احتمله الثلث ورد فيما عجز إلا أن يجيزه الورثة، وإن لم يخرجه مخرج الوصية وجعله عفوا أو إبراء محضا فقد اختلف قول الشافعي في عفوه، وإبرائه هل يجري مجرى الوصية أم لا؟ على قولين:
أحدهما: يجري مجرى الوصية لاعتباره من الثلث، فعلى هذا يكون على ما مضى من صحة جميعه إذا احتمله الثلث.
والثاني: أنه لا يصير وصية وإن اعتبر من الثلث، لأن الوصية عطية وهو العفو، والإبراء هو ترك وإسقاط، فخرج عن عطايا الوصايا، فعلى هذا يبرأ الجاني فيما وجب قبل العفو وهو دية الإصبع ولا يبرأ فيما وجب بعده من دية النفس، لأنه إبراء منه قبل وجوبه واستحقاقه ويلزمه من الدية تسعة أعشارها، واعترض المزني على هذا القول حين رأى الشافعي قد بعض عفوه فأجاز بعضه ورد بعضه اعتراضا وهم فيه فقال: إن صحت الوصية للقاتل صحت في الجميع وإن بطلت ردت في الجميع، ولم يكن لتبعيضها وتفريقها وجه، هذا وهم منه لأن الشافعي ما بعض عفوه وفرقه إذا كان وصية، والحاكم في جميعه على ما ذكره من صحته في الكل، وإن جازت الوصية له أو إبطاله في الكل وإن ردت وإنما فرقه إذا جعل إسقاطا وإبراء، لأن من حكم الإبراء على مذهبه أن يصح فيما وجب ويبطل فيما لم يجب فبطل اعتراضه.
مسألة:
قال المزني رضي الله عنه:((قال -يعني الشافعي ولأنه قطع بأنه لو عفا والقاتل عبد جاز العفو من ثلث الميت قال وإنما أجزنا ذلك لأنه وصية لسيد العبد مع أهل الوصايا)).
قال في الحاوي: وهذه مسألة من إحدى ثلاث مسائل أوردها المزني ها هنا لاعتراضه الذي قدمته، وصورتها في عبد جني على حر فعفا المجني عليه عنها وعما يحدث منها من قود وعقل، ثم سرت الجناية إلى نفسه فمات عنها، فهذا العفو قد تضمن إسقاط القود وإسقاط الدية، والقود مستحق على العبد الجاني، والدية مستحقة على سيده