يجوز له وصية بحال. قال المزني رحمه الله: هذا أولى بقوله لأن كل ذلك وصية لقاتل فلما بطل بعضها بطل جميعها)).
قال في الحاوي: وهذه المسألة تخالف ما تقدمها في ((صفة العفو)) وإن وافقتها في الصورة، وهو أن يقول المجني عليه وقد قطعت إصبعه عمدا: قد عفوت عنها وعما يحدث عنها من قود وعقل، وكان عفوه في المسألة الأولى مقصورا على العفو عنها دون ما حث منها فينقسم حال الجناية على ما قدمناه من الأقسام الثلاثة:
أحدهما: أن تندمل، فيكون على ما مضى من صحة عفوه عن القود في الإصبع وعن ديتها.
والقسم الثاني: أن تسري الجناية إلى ما دون النفس كسرايتها إلى الكف فيسقط القود فيها بالعفو عنه، ويبرأ من دية الإصبع لعفوه عنه ويؤخذ بدية الباقي من أصابع الكف وهي أربع ذهبت بالسراية مع الكف وذلك أربعون من الإبل، ولا يبرأ منه بالعفو عنه، لأنه إبراء مما لم يجب، والإبراء من الحقوق قبل وجوبها باطل مردود.
والقسم الثالث: وهو مسألة الكتاب: أن تسري الجناية إلى النفس فيموت منهما وقد عفا عنها وعما يحدث منها من قود فيسقط القود عنه في النفس والإصبع بالعفو عنه، وأما الدية فقد صار هذا الجاني قاتلا والعفو عنه من عطايا المريض المعترة من الثلث كالوصايا، وقد اختلف قول الشافعي في الوصية للقاتل على قولين:
أحدهما: باطلة كالميراث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس لقاتل شيء)) فعم الميراث والوصية؛ ولأن الميراث أقوى وأثبت من الوصية لدخوله في ملك الوارث بغير قبول ولا اختيار ووقوف الوصية على القبول والاختيار، فلما منع القتل من الميراث الذي هو أقوى كان بأن يمنع من الوصية التي هي أضعف أولى.
والثاني: أن الوصية للقاتل جائزة، وإن لم يرث لتخصيص النص بردها للوارث لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) فدل على عموم جوازها لغير الوارث، ولا يمنع الوصية كذلك القتل.
فإن قيل بالقول الأول: وهو أن الوصية للقاتل باطلة لزمته الدية كلها ولم يبرأ منها بالعفو عنها، وسواء ما وجبت بالجناية قبل العفو وما حدث بعده بالسراية، لأن سراية جنايته إلى النفس قد جعلته قاتلاً.
فإن قيل: فإذا أبطلتك الوصية للقاتل وأسقطتم عفوه عن الدية فهلا بطل العفو عن القود، لأن وصية لقاتل كما أبطلتم عفوه عن الدية أو أخرتم عفوه عن الدية كما أخرتم عفوه عن القود؟ قيل: لأن الدية مال والقود ليس بمال لأمرين:
أحدهما: أنه لو وصى لرجل بثلث ماله كان الموصى له شريكا في الدية ولم يكن شريكا في القود.
والثاني: أنه لو وصى لرجل بالدية صح، ولو وصى له بالقود لم يصح فلذلك صح