للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطأ، ولأن لحرم المدينة حرمة كما لحرم مكة حرمة، ولشهر رمضان حرمة كما للأشهر الحرم حرمة، ولشرف النسب حرمة كما للرحم حرمة، ثم لم يتغلظ الدية بحرمة المدينة وحرمة شهر رمضان وحرمة شرف النسب، كذلك لا تتغلظ بحرمة الحرم، وحرمة الأشهر الحرم، وحرمة الرحم؛ لأن القتل كالزنا لوجوب القتل به تارة وما دونه أخرى، فلما لم يتغلظ حكم الزنا بالمكان والزمان والرحم لم يتغلظ حكم القتل، ولأنه لو تغلظ حكم القتل بكل واحد من هذه الثلاثة لوجب إذا جمعها أن يضاعف التغليظ بها، وفي إجماعهم على سقوط هذا دليل على سقوط ذلك، ولأن الأموال تضمن كالنفوس، والعبد يضمن بالقتل كالحر، ولم يتغلظ ضمان الأموال وقتل العبد بهذه الثلاثة، كذلك لا يتغلظ بها ضمان النفوس في الأحرار، ودليلنا عليه انعقاد الإجماع به، روي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عباس.

فأما عمر فروى ليث عن مجاهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: من قتل في الحرم، أو قتل في الأشهر الحرم، أو قتل ذا رحم فعليه دية وثلث.

وأما عثمان فروى ابن أبي نجيح عن أبيه أن عثمان قضى في دية امرأة قتلت بمكة بستة آلاف درهم وألفي درهم تغليظاً لأجل الحرم.

وفي رواية الشافعي أنه قضى في دية امرأة ديست في الطواف بالبيت فهلكت بثمانية آلاف درهم.

وأما ابن عباس فروى نافع بن جبير أن رجلاً قتل في الشهر الحرام في الحرم فقال ابن عباس: الدية اثنا عشر ألفاً وأربعة آلاف تغليظاً لأجل الحرم، وأربعة آلاف للشهر الحرام. وليس لقول هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم مع انتشاره عنهم لأن فيهم إمامين مخالف فثبت أنه إجماع لا يجوز خلافه.

فإن قيل: يجوز أن يكون التغليظ الذي أجمعوا عليه هو في العمد المحض أو في عمد الخطأ، فلا يكون فيه دليل على تغليظه بهذه الأسباب الثلاثة في الخطأ، فعنه جوابان.

أحدهما: أنهم قد نصوا على تغليظها بهذه الأسباب، ولو كانت في عمد الخطأ لما تغلظت بها.

والثاني: أنه حكم نقل مع سبب فاقتضى أن يكون محمولاً عليه، كما نقل عن النبي صل الله عليه وسلم أنه سهي فسجد فكان محمولاً على سجوده لأجل السهو، ولأنه لما كانت هذه الأسباب الثلاثة مخصوصة بتغليظ الحرمة في القتل جاز أن يتغلظ بها حكم القتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>