الهذليين على فتى من قريش، يقال [٤ أ/ ١] له: محمد بن إدريس الشافعي. وأيضًا الشافعي -رحمه الله -أكثر احتياطًا في الطهارات، وشرائط العبادات، والأنكحة، والبياعات تمسكًا بالسنة، وذلك معروف في بيان مذهبه فكان أولى من غيره.
وقال الربيع: سئل الشافعي -رحمه الله -عن مسألة، فقال: يروى فيها كذا وكذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟ فرأيت الشافعي أرعد وانتفض، فقال: يا هذا أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلم يقل به نعم على السمع والبصر، نعم على السمع والبصر.
وقال أحمد: كان الشافعي إذا ثبت عنه الخبر قلده.
وأيضًا عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، فهو يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
والمطلب هو أخو هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وله قربى برسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل جداته، فإن أم [٤ ب/ ١] عبد يزيد هي الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف وأم السائب بن عبيد الشفاء بنت أرقم بن نضلة بن هاشم بن عبد مناف، وأمها خليدة بنت أسد بن هاشم، وكان لجده الأعلى وهو المطلب فضيلة بتربية عبد المطلب، وبذلك سمي عبد المطلب، وكان بنو المطلب مع بني هاشم متناصرين، فإن بقية عبد مناف وهم بنو عبد شمس وبنو نوفل انفردوا
عنهم وأدخل النبي صلى الله عليه وسلم بني المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى دون غيرهم. وقال:"نحن وبنو المطلب هكذا -وشبك بين أصابعه -إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام". وكان السائب جد الشافعي -رحمه الله -قد أسر يوم بدر، وكان صاحب راية بني هاشم ففدى نفسه ثم أسلم. وكان ابنه شافع لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع رئيل مراهق، وإليه نسب الشافعي -رحمه الله -وكانت أم الشافعي أزدية.
واعلم أنه ولد بغزة قرية من قرى الشام قريبة من بيت المقدس، فمكث فيها سنتين ثم حمل إلى مكة فنشأ بها وتعلم العلم، ثم دخل العراق سنة سبع وسبعين ومائة، وأقام بها سنتين، وصنف كتابه القديم وسماء "كتاب الحجة"، ثم عاد فأقام بها مدة، ثم دخل بغداد فأقام هناك أشهرًا، ولم يصنف شيئًا، ثم خرج إلى مصر فأقام بها إلى أن تغمده الله برحمته، وصنف الكتب الجديدة هناك، ودفن بمصر، وكان له ابنان، اسم كل [٥ أ/ ١] واحد منهما محمد، مات أحدهما بمصر سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ومات الآخر بالجزيرة وولي القضاء بها وكان مسنًا، يروي عن سفيان بن عينية، وكان مولده سنة خمسين ومائة، ومات ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة، وقد صلى المغرب ودفن يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين.
قال الربيع: انصرفنا من جنازة الشافعي، فرأينا هلال شعبان، وكان عمره أربعًا