وكان نصفه الباقي هدرًا, وإذا كانت الأصول تشهد بصحة ما ذكرناه دل على صحته, وبطلان ما عداه.
فأما استدلالهم بالسائر إذا عثر بالجالس فماتا فإنما ضمن كل واحد منهما جميع دية صاحبه, لأنهما لم يشتركا في فعل التلف, لأن السائر تلف بعثرته بالجالس فضمن الجالس جميع ديته, والجالس تلف بوقوع السائر عليه, فضمن السائر جميع ديته وليس كذلك اصطدام الفارسين لاشتراكهما في فعل التلف.
وأما استدلالهم بالوقوع في البئر فالجواب عنه أن الحافر لها ملجئ للوقع فيها مسقط اعتبار فعل الملجأ وصار الجميع مضافًا إلى فعل الملجئ ففارق من هذا الوجه ما ذكرنا, كشاهدي الزور بالقتل يؤخذان به دون الحاكم لإلجائهما له إلى القتل.
فصل:
فإذا ثبت ما وصفنا فلا فرق بين الراكبين أن يستويا في القوة أو يختلفا فيكون أحدهما كبيرًا والآخر صغير, أو يكون أحدهما صحيحًا والآخر مريضًا, ولا فرق في المركوبين بين أن يتماثلا أو يختلفا فيكون أحدهما على فرس والآخر على حمار, أو يكون أحدهما على فيل والآخر على كبش ولا فرق بين أن يكونا راكبين أو راجلين أو أحدهما راكبًا والآخر ماشيًا راجلًا, ولا فرق بين أن يصطدما مستقبلين أو مستدبرين أو أحدهما مستقبلًا والآخر مستدبرًا, ولا فرق بين أن يكونا بصيرين أو أعميين, أو يكون أحدهما بصيرًا, والآخر أعمى, وإن اختلفا في صفة الضمان دون أصله, لأن الأعمى خاطئ وقد يكون البصير عامدًا, ولا فرق بين أن يقعا مستلقيين على ظهورهما أو مكبوبين على وجهه فدية المستلقي كلها على المكبوب, ودية المكبوب هدر, لأن المكبوب دافع والمستلقي مدفوع, وهذا اعتبار فاسد, لأن الاستلقاء قد يحتمل أن يكون لتقدم الوقوع والانكباب لتأخر الوقوع, ويحتمل أن يكون الاستلقاء في الوقوع لشدة صدمته كما يرفع الحجر من الحائط لشدة رميته فلم يسلم ما اعتل به.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا من صفة الاصطدام وحكمه, في ضمان النصف وسقوط النصف هدرًا فضمان الدابتين يستوي فيه العمد والخطأ, لأنه ضمن مال ويفترق في النفوس ضمان العمد والخطأ, وإذا كان كذلك صح في الاصطدام الخطأ المحض, وتكون الدية فيه على العاقلة مخففة, وصح فيه عمد الخطأ وتكون الدية فيه على العاقلة مغلطة, واختلف أصحابنا هل يصح فيه العمد المحض الموجب للقود؟ على وجهين: