فإن قال بعضهم: عمدت، وقال بعضهم: لم أعمد اقتص من العامد، ولزم من أنكر العمد دية الخطأ في ماله بعد إحلافه، ولا تتحملها العاقلة عنه لأنه اعتراف إلا أن يصدقوه فيتحملوا عنه.
والحال الثالثة: أن يقصدوا بحجز المنجنيق رمى جماعة ليقتلوا به أحدهم لا بعينه فهذه هي القتلة العمياء تكون عمد الخطأ، لأنهم عمدوا الفعل فأخطؤوا في تعيين النفس فلا قود فيه، وتجب الدية على عواقلهم مغلظة.
روى عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل في عمياء رميا بحجر أو ضربا بعصا فعليه عقل الخطأ، ومن قتل اعتباطا فهو قود لا يحال بينه وبين قاتله فمن حال بينهما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل)). فالعمياء أن يرمي جماعة فيصيب أحدهم لا يعينه والاعتباط: أن يرمي أحدهم بعينه، فإذا ثبت أن ديته على عواقل الجماعة فإنما يجب على عاقلة من جذب في الرمي دون من وضع الحجر في ككفة المنجنيق، ودون من يصيب المنجنيق، لأن وقوع الحجر كان من الحذب، فاقتضى أن تجب الدية على من تولاه، ووضع الحجر يجري مجرى وضع السهم من وتر القوس، فإذا تولى الرمي غيره كان الضمان على الرامي دون واضع السهم، وناصب المنجنيق يجري مجرى صانع القوس، وأجراه بعض أصحابنا مجرى الممسك مع الذابح وبأنه أجرى فلا ضمان عليه.
فصل:
والضرب الثاني: أن يعود حجر المنجنيق على جاذبية فيقتل أحدهم وهي مسألة الكتاب، فيكون قتله بجذبه وجذب الجماعة، فإذا كانوا عشرة سقط من ديته عشرها، لأنه في مقابة جذبه، ووجب تسعة أعشارها على عواقل التسعة الباقين، تتحمل عاقلة كل واحد منهم عشرها ولو عاد جدر المنجنيق على اثنين من عشرة فقتلهما سقط من دية واحد منهم عشرها المقابل لجذبه، ووجب لكل واحد منهما على عاقلة الآخر عشر ديته، لأنه أحد قتلته، وواجب لكل واحد منهما على عاقلة كل واحد من الثمانية الباقين عشر ديته، فيتحمل كل واحد من الثمانية عشري في ديتين، لأنه قاتل الاثنين، ويتحمل كل واحد من القاتلين عشر دية واحدة، لأنه قاتل لواحد وعلى هذا القياس لو قتل ثلاثة فأكثر، فإن عاد الحجر على جميع العشرة فقتلهم سقط العشر من دية كل واحد منهم لمقابلتها بجذبه، فوجب على عاقلة كل واحد منهم تسعة أعشار تسع ديات، لوارث كل قتيل منهما تسع.
وهكذا لو جذب جماعة حائطا أو نخلة فتلف أحدهم أو جميعهم كان كوقوع حجر المنجنيق على أحدهم أو على جميعهم في أن يسقط من دية كل واحد منهم ما قابل فعله،