والثاني: أنها صلة وإرفاق فأشبهت الهبات قبل القبض، وهذا خطأ لأمرين: كالديون.
والثاني: أنه لما لم يكن للورثة أن يمنعوا من الوصايا وهي تطوع، كان أولى أن لا يمنعوا من العقل وهو واجب.
والثالث: أنه لما لم تسقط بالموت دية العمد لم تسقط به دية الخطأ.
فأما نفقات الأقارب فإنما وجبت لحفظ النفس، وقد وجد ذلك فيما مضى فسقط معنى الوجوب، ودية القتل وجبت لإتلاف النفس وقد استقر وجوبه فلم تسقط بمضي زمانه، وأما الهبة فليس كتحمل العقل عنه، لأنها تؤخذ خبرًا والهبة تبذل تطوعًا فافترقا.
فصل:
فإذا ثبت أنها لا تسقط بالموت قدمت على الوصايا والمواريث، وتؤدي وإن استوعبت جميع التركة، فإن عجز صاحب التركة عنها، وعن ديون الميت قسمت على قدر الحقوق، وكان باقي العقل دينًا يؤدي على الميت، ولا يرجع به على الباقين من العاقلة لوجوبه على غيرهم، ولو امتنعت العاقة من بدل الدية ولم يوصل إليها منهم إلا بحربهم جاز أن يحاربوا عليها كما يحارب الممتنعون من الحقوق الواجبة، فإن وجدت لهم أموال بيعت عليهم ولم يحاربوا.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:"ولم أعلم مخالفًا في أن لا يحمل أحدٌ منهم إلا قليلًا وأرى على مذاهبهم أن يحمل من كثر ماله نصف دينارٍ ومن كان دونه ربع دينارٍ لا يُزاد على هذا ولا ينتقص منه وعلى قدر ذلك من الإبل حتى يشترك النفر في البعير".
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن العقل يحمله من العاقلة الأغنياء والمتوسطون دون الفقراء، فوجب أن يفرق بين الغني والمتوسط فيه.
وقال أبو حنيفة: لا فرق بينهما في قدر ما يتحمله كل واحد منهما اعتبارًا بزكاة الفطر والكفارات التي يستوي فيها الكثير والمتوسط، وهذا ليس صحيح لقول الله تعالى:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}[الطلاق:٧] وقوله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ}[البقرة:٢٣٦] ولأنهما مواساة فوجب أن يقع الفرق فيهما بين المقل والمكثر كالنفقات، ولم يسلم ما استدل به من زكاة الفطر والكفارات لاختلاف حكم المقل والمكثر فيها.
فصل:
فإذا ثبت الفرق فيها بين المقل والمكثر فالذي يتحمله الغني المكثر منها نصف دينار