وقال أبو حنيفة: الذي يتحمله كل واحد من الغني والمتوسط من ثلاثة دراهم إلى أربعة دراهم، لا يزاد عليها ولا ينقص منها.
وقال أحمد بن حنبل: يتحملون ما يطيقون بحسب كثرة أموالهم وقلتها من غير أن تتقدر بشرع، واستدل أبو حنيفة بأن فرض الزكاة أوكد من تحمل العقل، وأقل ما يجب في زكاة المال خمسة دراهم من مائتي درهم، فوجب أن يكون ما يلزم في العقل أق منها فكان أربعة دراهم أو ثلاثة، واستدل أحمد بقول الله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ}[البقرة:٢٣٦].
ودليلنا هو أن ما أوجبه الشرع من حقوق المواساة كان مقدرًا كالزكوات والنفقات فبطل به قول أحمد، ولكن في تقديره طريقان:
أحدهما: أن يبدأ بتقدير الأقل، ويجعله أصلًا للأكثر.
والثاني: أن يبدأ بتقدير الأكثر ويجعله أصلًا للأقل.
فإن بدأت بتقدير الأقل في حق المتوسط فهو ما خرج عن حد التافه، لأنه لو اقتصر على التافه جاز الاقتصار على القيراط والحبة وذلك مما لا يفي بالدية وينهدر به الدم، وحد التافه ما لم يقطع فيه اليد، لقول عائشة رضي الله عنها لم تكن اليد تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"القطع في ربع دينار" فوجب أن يضاعف في حق المكثر فيلزمه نصف دينار، كما يلزم الموسر في النفقة مثلًا نفقة المعسر، وإن بدأت بتقدير الأكثر في حق المكثر فهو أن أول ما يواسى به الغني في زكاته نصف دينار من عشرين دينارًا، فحمل الغني نصف دينار، لأن الزيادة عليه تؤول إلى الإجحاف، ولا يقف على مقدار، وإذا لزم الغني نصف دينار وجب أن يقتصر من المقل على نصفه كما أن نفقة المعسر نصف نفقة الموسر، وفي هذا التقدير دليل وانفصال.
فصل:
فإذا ثبت تقديره بنصف دينار في حق المكثر وربع دينار في حق المقل فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: وهو قول أكثرهم: أن هذا قدر ما يؤخذ في السنة الواحدة، فيكون في السنين الثلاث على المكثر دينار ونصف من جميع الدية، وعلى المقل ثلاثة أرباع الدينار من جميع الدية.
والثاني: وهو قول أقلهم: أن هذا قدر ما يؤخذ من جميع الدية في السنين الثلاث،