قيل: لأن حكمه على عموم القبيلة لا على أعيان كل واحد من أهلها لتوجه الحكم إلى عمومهم دون أعيانهم، فيحتاج حاكم الشام أن يحكم بفضها عليهم بحسب أحوالهم ويحكم باستيفائها منهم، وقد تقدم من حاكم مكة الحكم بوجوبها عليهم، ولا يسع حاكم مكة أن يزيد على هذا في فضها واستيفائها؛ لأن أعيان من تقضى عليه وتستوفي منه لا يعرف إلا عند الحلول والاستيفاء لتغير الأحوال في الإيسار والإعسار، ولكن يسعه أن يقول: وحكمت على كل موسر منهم بنصف دينار وعلى كل مقل بربع دينار، فيقطع اجتهاد حاكم الشام في التقدير، ولو لم يحكم بهذا كان التقدير موقوفًا على حاكم الشام ليحكم فيه برأيه.
فصل:
وأما الحال الثالثة: وهو أن يكون بعض عاقلته حضورًا بمكة وبعضهم غيبًا بالشام فهذا على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون الأقربون نسبًا حضورًا بمكة والأبعدون نسبًا غيبًا بالشام فيفضها حاكم مكة على الأقربين بمكة، فإن احتملوها خرج منها الأبعدون بالشام لاختصاص من حضر بقرب الدار وقرب النسب، فإن عجزوا عنها كتب حاكم مكة بالباقي منها إلى حاكم الشام حتى يستوفيه من الأباعد.
والثاني: أن يكون الأبعدون نسبًا حضورًا بمكة والأقربون نسبًا غيبًا بالشام ففيها قولان:
أحدهما: أنها تقضي على الأقربين نسبًا بالشام ولاختصاصها بالنسب الذي يستحق به الميراث، والميراث مستحق بقرب النسب لا يقرب الدار، كذلك تحمل العقل، فعلى هذا يكتب بها حاكم مكة إلى حاكم الشام فإن وفوا بها وإلا فض حاكم مكة باقيها على من بعد نسبه من الحضور.
والثاني: أنها تفض على الحاضرين بمكة وإن كانوا أبعد نسبًا؛ لأن محل العقل معتبر بالنصرة والذب عن القاتل، ومن قريب داره أخص بالنصرة مع بعد نسبه ممن بعدت داره مع قرب نسبه فوجب أن يكون أخص بتحمل العقل فيفضها حاكم مكة عليهم، فإن وفوا بها خرج منها من بالشام من الأقارب، فإن عجزوا عنها فض باقيها على من الشام منهم، وكتب به بحاكم مكة إلى حاكم الشام ليستوفيه ولو كان بعض الغائبين أقرب دارًا من بعض مضي باقيها على أقربهم دارًا مثل أن يكون بعضهم بالمدينة وبعضهم بالشام فيختص باقيها أهل المدينة، لأنها أقرب إلى مكة من الشام.
والثالث: أن يتساوي من حضر بمكة ومن غاب بالشام فيكونوا كلهم أقارب أو