قال الشافعي رضي الله عنه:"تورت كما لو خرج حيًا فمات لأنه المجني عليه دون أمة".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، غرة الجنين موروثة عنه ولا تختص الأم باستحقاقها وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الليث بن سعد: تكون لأمه ولا تورث عنه كأعضائها، وفيما قدمناه من تمييزه عنها وضمانه كالنفوس دليل عليه.
وقال ربيعة: تكون غرة الجنين لأبويه خاصة دون غيرها من ورثته، وجعله كالبعض منهما لخلقه من مائهما، وهذا فاسد، فالمقتول بعد حياته، وإن كان موروثًا لم يخل حال إلقائه من أن يكون قبل موت الأم أو بعده، فإن كان قبل موت الأم فلها ميراثها منه، وإن كان بعد موت الأم فلا ميراث لها منه لاستحقاق الغرة بعد إلقائه، ولا يحجب بالجنين أحد من الورثة، لأنه لم يثبت له حكم الحياة فيكون لأمه إن ورثته ثلث الغرة ولأبيه إن كان حيًا باقيها أو لغيره من ورثته إن كان ميتًا، ولو ألقته حيًا بعد موتها ثم مات ورثها ولم ترثه، فإن أشكل إلقاؤه في حياتها وبعد موتها قطع التوازن بينهما كالغرقى.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:"وعليه عتق رقبةٍ".
قال في الحاوي: وهذا كما قال، يجب الكفارة في الجنين.
وقال أبو حنيفة: لا كفارة فيه احتجاجًا بأمرين:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالغرة ولم يقض فيه بالكفارة، ولو وجبت لأبانها وقضى بها، ولو قضى به لنقل.
والثاني: لأنه من الأم بمنزلة أعضائها التي لا يجب فيها كفارة، فكذلك جنينها، ودليلنا أنها نفس آدمي ضمنت بالجناية فوجب أن تضمن بالكفارة كالحي، ولأن الكفارة أخص وجوبًا بالقتل من الدية، لأن السيد يجب عليه بقتل عبده الكفارة ولا تجب عليه القيمة ومن رمى دار الحرب بسهم فقتل به مسلمًا وجبت عليه الكفارة ولم تجب عليه الدية فلما وجب في الجنين الدية فأولى أن تجب فيه الكفارة.
فأما الاستدلال بالخبر فإنما كف عن بيان الكفارة فيه لأن الله تعالى قد بينها في قوله:{وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأًً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[النساء:٩٢] كما بين الدية في قوله صلى الله عليه وسلم: فمن قتل بعده قتيلًا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل، ولم يبين الكفارة تعويلًا على إثباتها في هذه الآية، وأما استدلالهم بأنه كأعضائها فقد أجبنا عنه.