حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس" قلت هو كلام عربي ومعناه إذا أتى واحدة من الثلاث حل دمه فمعناه كان رجلاً زنى محصناً ثم ترك الزنى وتاب منه وهرب فقدر عليه قتل رجما أو قتل عمدا وترك القتل وتاب منه وهرب ثم قدر عليه قتل قوداً وإذا كفر ثم تاب فارقة اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزى والقتل ولو تابا وهربا".
قال في الحاوي: هذا سؤال اعترض به على الشافعي من منع من قتال أهل البغي، لأن قتالهم مقضي إلى قتلهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس".
وليس الباغي واحداً من هؤلاء الثلاثة، وجعل هذا السؤال مقصوراً فيمن أريد دمه أو ماله أو حريمه كيف يجوز له قتل من أراده بذلك. فاقتضى السؤال دليلاً على الحكم وانفصالاً عن الخبر، فأما الدليل على أن من أريد دمه أو ماله أو حريمه يجوز له دفع من أراده إن أتى الدفع عن نفسه على ما سنذكره من نعد من ترتيب الدفع بحال بعد حال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون مال، فهو شهيد". والشهيد مظلوم، وللمظلوم دفع الظلم عن نفسه بالقتال، وما أبيح من القتال لم يجب به ضمان، وأما الانفصال عن الخبر فمن وجهين:
أحدهما: أنه أباح القتل بثلاثة شروط اختلفت معانيها واتفقت أحكامها:
أحدها: بالكفر بعد الإيمان فلا يجوز العفو عنه، ويسقط بالتوبة منه، ويزول عنه اسم الكفر بعد التوبة.
والثاني: بالزنى يعد الإحصان، لا يجوز العفو عنه، ولا يسقط بالتوبة منه بعد القدرة، وفي سقوطه قبل القدرة خلاف ولا يزول عنه اسم الزنى بعد التوبة.
والثالث: بقتل نفس بغير نفس، وهذا يجوز العفو عنه، ولا يسقط بالتوبة، ولا يزول عنه اسم للقتل بالتوبة.
فلما اختلفت المعاني والأسماء، صارت معاني القتل هي المعتبرة دون العدد المحصور.
والثاني: أنه لسان عربي لا يمنع أن ينضم إلى العدد المحصور ما في معناه، ولا تكون الزيادة عليه رافعة لحكمه كما قال الله تعالى:{ووَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ}[الأعراف: ١٤٢].