للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في الحاوي: قد مضت هذه المسألة فيمن أريد دمه أو ماله أو حريمه أن له أن يقاتل من أراده وإن أتى القتال على نفسه, ويكون دم الطالب هدرًا ما لم يكن للمطلوب ملجأ يلجأ إليه من حصن يغلقه عليه أو مهرب لا يمكن لحوقه فيه لرواية الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون نفسه فهو شهيد, ومن قتل دون حريمه فهو شهيد ومن قتل دون جاره فهو شهيد".

فإن وجد المطلوب ملجأ يلجأ إليه فقد قال الشافعي في موضع: له أن يقاتل. وقال في موضع آخر. ليس له أن يقاتل. فاختلف أصحابنا فخجره بعضهم على قولين.

وقال آخرون: بل هو على اختلاف حالين, فالموضع الذي أباح قتاله: إذا لم يأمن رجعته, والموضع الذي منع من قتاله: إذا أمن رجعته.

فصل:

فإذا ثبت جواز القتال فوجوبه معتبر بما أراده الطالب, وذلك ينقسم ثلاثة أقسام:

أحدهما: أن يريد مال المطلوب دون دمه وحريمه, فهذا القتال مباح والمطلوب مخير بين قتال الطالب وبين استسلام وتسليم ماله ولا يجب عليه أن يمنع منه.

والثاني: أن يريد الطالب حريم المطلوب, لإتيان الفاحشة فواج على المطلوب أن يقاتل عنها ويمنع.

والثالث: أن يريد الطالب نفس المطلوب, ففي وجوب قتاله دفعه عن نفسه وجهان:

أحدهما: يجب عليه أن يقاتل عنها ويدفع لقوله تعالى: {ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء ٢٩].

وقوله: {ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة ١٩٥]. كما يجب على المضطر من الجوع إحياء نفسه بأكل ما وجده من الطعام.

والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي لا يجب عليه القتال والدفع, ويكون مخيرًا بينه وبين الاستسلام, طلبًا لثواب الشهادة. لقوله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} [المائدة ٢٨].

ولأن عثمان بن عفان رضي الله عنه حين أريدت نفسه منع عنه عبيده, فكفهم وقال لهم: من أغمد سيفه فهو حر. وأتى رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت لو أن رجلًا انغمس في العدو حتى قتل صابرًا محتسبًا أيحجزه عن الجنة شيء فقال: لا, إلا الدين, فانغمس في العدو حتى قتل, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراه ولا يمنعه. فأما المضطر جوعًا إذا وجد طعامًا وهو يخاف التلف. فإن كان مالكًا للطعام أو لم يكن مالكًا له, وكان قادرًا على ثمنه فواجب عليه إحياء نفسه بأكله وجهًا واحدًا, بخلاف من أريد دمه في أحد الوجهين؛ لأن في القتل شهادة يرجو بها الثواب, وليس في ترك الأكل شهادة يثاب

<<  <  ج: ص:  >  >>