للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنه لما جاز حبسه عنهم إضعافًا لهم جاز قتالهم به, معونة عليهم, لأن كلا الأمرين كاف لهم. ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرؤء مسلم إلا بطيب نفس منه. فكان على عمومه, ولأن كل من لا يجوز أن ينتفع من ماله بغير الكراع والسلاح كأهل العدل. ولأن كل ما لم يجز أن ينتفع به من مال أهل البغي كسائر الأموال, ولأن أهل البغي يملكون رقابها ومنافعها, فلما لم تستبح بالبغي أن تملك عليهم رقابها لم يستبح أن تملك به منافعها فأما الآية: فلا دليل فيها, لأنه تضمنت الأمر بالقتال, ولم تتضمن صفة القتال.

وأما قياسهم على أهل الحرب: فلأنه لما جاز أن يتملك عليهم, رقابها جاز أن يتملك عليهم منافعها, وأهل البغي بخلافهم.

وأما الجواب عن حبسها: فليس جواز حبسها مبيحًا للانتفاع بها, كما جاز حبس أهل البغي, وإن لم يجز استخدامهم والانتفاع بهم.

فصل:

فإذا تقرر أنه لا يجوز الانتفاع بدوابهم وسلاحهم, فإن استمتع بها أهل العدل لزمهم أجرة مثلها كالغاصب, فإن تلفت في أيدي أهل العدل بعد استعمالها ضمنوا رقابها, وإن تلفت من غير استعمال لم يضمنوها, لأنهم حبسوها عنهم بحق. ولو حبسوها بعد انقضاء الحرب مع إمكان ردها عليهم: ضمنوها, لتلفها بعد وجوب ردها.

فأما إن اضطر أهل العدل إلي الانتفاع بدوابهم وسلاحهم عند خوف الاصطلام لينجوا على جوابهم هربًا منهم, ويقاتلوهم بسلاحهم دفعًا لهم: جاز ولم يحرم, لأن حال الضرورة يخالف حال الاختيار, كما يجوز للمضطر أن يأكل طعام غيره وإن لم يجز أن يأكله في حال الاختيار.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: "ويجوز أمان الرجل والمرأة المسلمين لأهل الحرب والبغي فأما العبد المسلم فإن كان يقاتل جاز أمانه وإلا لم يجز قلت فما الفرق بينه يقاتل أو لا يقاتل؟ قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" قلت: فإن قلت ذلك على الأحرار فقد أجزت أمان عبد وإن كان على الإسلام فقد رددت أمان عبد مسلم لا يقاتل. قال: فإن القتل يدل على هذا؟ قلت: ويلزمك في أصل مذهبك أن لا تحيز أمانهما. قال: فأذهب إلي الدية فأقول دية العبد لا تكافيء دية الحر. قلت: فهذا أبعد لك من الصواب. قال: ومن أين؟ قلت: دية المرأة نصف دية الحر وأنت تجيز أمانها

<<  <  ج: ص:  >  >>