فإن كانت عليه مائة فرع يضرب بذلك ضربةً، وإن كان خمسون فرعًا يضرب ضربتين ولا بد أن يصيبه من الفروع المائة، فإن وقع بعض الفروع على البعض كفي لأن أذى الكل قد أصابه ولا يشدد في ذلك الضرب بل يكفي قدر ما يفارق اسم الوضع وينطلق عليه اسم الضرب، ثم من حدّ هكذا فبرأ من بعد لا يقام عليه الحد بل قد وقع الأول موقعه. وإن كان المحدود في بلدةٍ لا يسكن حرها أو لا يقل بردها لم يؤخر حده ولم ينقل إلي البلاد المعتدلة لما فيه من تأخير الحد ولحوق المشقة وقوبل إفراط الحر والبرد تخفيف الضرب حتى يسلم من القتل كما نقول في المرض الملازم.
وإن وجب على امرأةٍ حامل الجلد لا يقام عليها حتى تضع لأنه لا يؤمن من إذا جلدت وهي حامل أن يسقط الولد من الأم، وإذا وضعت نظر، فإن لم يكن بها ضعف أقيم عليها الحد من نفاسها، وإن كانت ضعيفة لم يقم عليها حتى تبرأ لأنها كالزمنة وكل موضع، قلنا: لا يقام عليها الحد لعذر من شدة حرٍّ أو بردٍ أو عذر في بدنها فأقيم عليها وتلفت فهل عليه الضمان؟ قال في الجنايات: إذا أقام في شدة حرٍّ أو بردٍ فهلك فلا ضمان، وإن كانت حاملًا فعليه ضمان الحمل. وقال في موضع آخر: لو كان أغلفة فخثنه الإمام في شدة حرٍّ أو بردٍ فعلى عاقلته الدية، واختلف الأصحاب فيه على طريقين: أحدهما: لا ضمان لأنه أقام [١٧/ب] حدًا واجبًا. والثاني: يلزم الضمان لأنه مفرّط. والتأمة المسألتان على ظاهرهما، والفرق أن الحد ثابت نصًا بغير اجتهاد فلا يضمن والختان بالاجتهاد فيضمن وأيضًا فإن استيفاء الحد إلي الإمام لا يقيمه غيره فقد أدى فرضًا عليه بعينه. والختان يتولاه الرجل من نفسه أو أبوه منه في حال صغره والإمام قائمٌ مقامه فيجب النظر له ولا يقيمه في أسباب التلف، فإذا أقام فتلف ضمن فإذا قلنا: يضمن فكم يضمن؟ فيه وجهان: أحدهما: يضمن جميع الدية لأنه فرط. والثاني يضمن نصف الدية لأنه مات من واجبٍ محظورٍ. وأما المحصن إذا وجب عليه الرجم فلا يخلو إما أن يكون رجلًا أو امرأة، فإن كانت امرأة حاملًا أو كان رجلًا صحيحًا والزمان معتدل رجم في الحال لأنه لا عذر يقتضي تأخيره، وإن كان هناك مرض أو كان الزمان غير معتدلٍ نظر، فإن كان الرجم ثبت بالبينة أقيم في الحال ولم يؤخر لأن القصد قتله فلا يعتبر حال الزمان، وإن كان ثبت بالإقرار فالمنصوص أنه يؤخر إلي اعتدال الزمان والبرد لأنه ربما يمسه حر الحجارة فيرجع فيعين الزمان على قتله، ومن أصحابنا من قال: يقام عليه الحد لأن القصد منه القتل وقد وجب كما وجب بالبينة وهذا اختيار أبي إسحاق.
وقال بعض أصحابنا: فيه ثلاثة أوجه قالها ابن أبي هريرة؛ أحدها: وهو المنصوص لا يؤخر. والثاني: يؤخر لأنه يجوز [١٨/أ] أن يرجع الشهود أيضًا كما يرجع عن الاعتراف. والثالث: يفصل بين أن يكون بالبينة أو بالإقرار على ما ذكرنا. ولو سرق نضو الخلف وعلم أن القطع قاتله ذكرنا وجهين ولا خلاف في القصاص أنه يستوفى وفي حد القذف يحد كما يحد في الزنا.