للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسألة: قال: ولا يقام حد الجلد على حبلى، ولا على المريض المدنف ولا في يوم حر أو برد شديد.

الكلام في هذا في الأعذار التي توجب تأخير إقامة الحدود [١٦/أ] والحكم في هذا أن من وجب عليه حد الزنا فلا يخلو من أن يكون بكرًا أو محصنًا، فإن كان بكرًا فإن كان سليمًا لا مرض به ولا خلقه نظر، فإن كان الهواء معتدلًا لا حر ولا برد شديد فإنه يجلد رجلًا كان أو امرأة للآية، وإن كان الهواء غير معتدل إما شدة حر أو برد أخّر الجلد إلي اعتدال هواء لأن القصد منه الردع والزجر والتأديب دون القتل والإتلاف، فإذا أقيم عليه الحد في هذه الحالة أعان الزمان على نفسه فيتلف، وإن كان عليلًا لم يخل إما أن تكون العلة مما يرجى زوالها، أو لا يرجى زوالها، فإن كان يرجى زوالها لم يقم عليه الحد حتى يبرأ من مرضه لأنه إن أقيم عليه الحد وهو مريض أعان المرض عليه فيفضي إلي تلفه، وإن كان مرضه مما لا يرجى زواله كالسل والزمانة والعضب أو كان نضو الخلق.

يضرب بأطراف الثياب وعثكال النخل، وقال مالكٌ: لا يجوز إلا أن يضرب بالسياط مائة جلدة، فإن لم يكن يؤخر، وقال أبو حنيفة: تجمع الأسواط ويضرب بها دفعة واحدة. ودليلنا ما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار: أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى فعاد جلده على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فمشى لها وقع عليها فلما دخل عليه رجال من قومه [١٦/ب] يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني وقعت على جارية دخلت عليّ فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحدٍ من الناس من الضنا مثل الذي به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربةً واحدةً. وقوله: أضنى أي: أصابه الضنا وهو شدة المرض وسوء الحال حتى ينحل بدنه ويهزله، وقيل: الضنا انتكاس العلة. وفي رواية عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى فقالت: إن فلانًا أحبلها فأرسل إليه فأتي به يحمل وهو ضريرٌ مقعد فاعترف على نفسه فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثكالٍ فيه مائة شمراخ الحد ضربة واحدة وكان بكرًا. ولأن في الضرب بالسياط تلفه ولا وجه للترك أصلًا والأولى ما ذكرنا. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بنغاشي وجد على ظهر امرأة يخبث بها فقال: "اجلدوه مائة جلدة" فقالوا: لو ضربناه مائة جلدة لتفتت فقال: "خذوا عثكالًا عليه مائة شمراخ فاضربوه بها". فإذا تقرر هذا [١٧/أ]

<<  <  ج: ص:  >  >>