أبي ليلى وعثمان البتي وأبو ثور وداود: لا يقبل رجوعه، وعن مالك روايتان كالمذهبين. ودليلنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بن مالكٍ [١٥/أ] بعد إقراره بالرجوع فقال: "لعلك قبلت، لعلك لمست" وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن سارقًا اعترف عنده بالسرقة فقال: أسرقت؟ قال: لا وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما نحو ذلك ولأنه حد لله تعالى خالص ثبت بقوله فسقط برجوعه كالقتل بالردة، وقيل: جملة ما يقر به الإنسان على أربعة أضرب أحدها: ما يوجب حقًا لله تعالى محضًا على ما ذكرنا. والثاني: ما يوجب حقًا للآدمي محضًا فإذا أقر به ثم رجع لا يقبل. والثالث: ما يوجب حقًا يتعلق بحق الله تعالى وحق الآدمي كمال المسجد والزكاة فإذا أقر ثم رجع لا يقبل رجوعه. والرابع: ما يوجب حقين أحدهما: لله تعالى. والثاني: للآدمي مثل الإقرار بالسرقة التي توجب القطع لله والغرم للآدمي فإذا أقر بها ثم رجع يقبل رجوعه في القطع دون الغرم وقد ذكرنا فيما تقدم عن بعض أصحابنا في سقوط القطع قولين أو وجهين لاقترانه بما لا يؤثر الرجوع فيه.
فرع
لا فرق بين أن يرجع بعد وقوع بعض الحد، أو قبل انتهاء الحد فيترك عقوبته إذا رجع، وقال بعض العراقيين: لا يقبل رجوعه بعد الشروع في حده، وحكي عن مالك أنه قال: يقبل الرجوع إن بين علة أو عذرًا بأن يقول: ظننت أن الوطء دون الفرج زنا، أو إتيان البهيمة زنا، وإن قال: كذبت ولم يبين لكلامه وجهًا [١٥/ب] لم يقبل.
فرع آخر
قال في "الحاوي": الرجوع أن يقول: كذبت في إقراري ولم أزن، أو رجعت عن إقراري فإن قال: لا تحدوني لم يكن رجوعًا صريحًا فإن بين مراده قبل، وكذلك لو قال: لا حد علي وهذا أقرب إلي صريح الرجوع ولكنه يسأل عنه، ولو ندب فهل يقوم مقام رجوعه باللفظ، فيه وجهان وذكرنا خلاف هذا عن بعض أصحابنا بخراسان وهذا الذي قاله أوضح.
فرع آخر
لو اجتمع في حدود الله تعالى الإقرار والشهادة فهل يختص إقامتها بالإقرار أو بالشهادة؟ فيه وجهان: أحدهما: يختص بالشهادة لأنها أغلظ فعلى هذا لو رجع لم يسقط. والثاني: يختص بالإقرار فعلى هذا إن رجع سقط، وقال صاحب "الحاوي": الأصح عندي أن ينظر في اجتماعهما فإن تقدم الإقرار على الشهادة كان وجوبه بالإقرار ويسقط بالرجوع، وإن تقدمت الشهادة على الإقرار كان وجوبه بالشهادة ولم يسقط بالرجوع لأن وجوبه بأسبقهما فلم يؤثر فيه ما يعقبه وعلى الوجوه كلها لا يسقط أحدهما بالآخر.