وكيله، ومن أصحابنا من قال: المسألتان على ظاهرهما وهو اختيار ابن سلمة وابن الوكيل والقاضي أبي حامد وهو الأصح. والفرق أن القطع في السرقة جعل لصيانة الأموال وتحصينها فكان معلقًا بحق الآدمي فلم يقم إلا بعد دعواه وليس كذلك حد الزنا لأنه لم يجعل لتحصين الأموال على الآدميين بل هو حق الله تعالى خالصًا فلم يتعلق بالدعوى وأيضًا حد الزنا لا يسقط بالإباحة والقطع في السرقة يسقط بالإباحة لأنه لو قال: أبحت لكل من دخل الحرز أخذ ما فيه لا يجب القطع على سارقه، ولو قال: أبحت جاريتي لفلان لا يسقط الحد به. وأيضًا أوسع في الإسقاط، ولهذا لو سرق مال أبيه لم يقطع، ولو زنا بجارية أبيه حد.
[٨٢/ب] ومن أصحابنا من قال: وهو اختيار ابن سريج لا يقطع ولا يحد حتى يحضر الغائب قولًا واحدًا وما ذكره في حد الزنا خطأ من الناقل، وقيل: المنصوص أنه لا يقطع وخالفه أبو إسحاق وهو غلط. وقال ابن أبي هريرة: يقطع ويحد قولًا واحدًا في الإقرار والطرق الثلاثة من الشهادة بها. وهو اختيار صاحب "الحاوي" وهذا لقوة الشبهة في الشهادة وضعفها في الإقرار، وإن إقراره على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه.
فرع آخر
إذا قلنا: يقطع مع غيبة المالك انتزعت منه السرقة ويغرم قيمتها إن كانت تالفة، ثم إن رجع الغائب وادعاها سلمت إليه فإن أنكرها فإن كان ثبوتها بشهادة ردت إلى السارق، وإن كان ثبوتها بالإقرار لم ترد إليه وكانت في بيت المال لأنه في الإقرار منكر لاستحقاقها بخلاف البينة ويفارق هذا ما إذا أقر بدين لغائب لم يؤخذ منه لأن صاحبه رضي بذمته وإن قلنا: لا يقطع فإن كانت السرقة تالفة لم يقبض منه لتكون ذمته مرتهنة به وحبس على حضور الغائب فيه وجهان: أحدهما: لا يحبس لبقاء العين المسروقة. والثاني: يحبس لحق الله في قطعه.
فإن قيل: كيف يحبس لحق غائب لم يطالبه ولو أقر أنه غصب مال غائب لم يحبس؟ قلنا: الفرق أنه لا ولاية على [٨٣/أ] الغائب فإذا لم يوجد منه المطالبة ولا له تعلق به لم يحبسه وهنا يتعلق به القطع وله المطالبة به فيحبس من أجله حتى لو مات المغصوب منه وخلف أطفالًا فللإمام مطالبته وحبسه عليه لأن له في مال الأطفال ولاية قال ابن أبي هريرة: وهذا إذا كانت مسافة الغائب قريبة فإن كانت الغيبة بعيدة لا يحبس لأنه لا يعلم غاية الحبس وعلى هذا إن كان الحبس لغرم السرقة طولب بكفيل وأطلق، وإن كانت العين قائمة انتزعت من يده وجعلت في يد أمين. ومن أصحابنا من قال: يحبس بكل حالٍ وهو كلام الشافعي رضي الله عنه. لو امتنع عند تلف السرقة من إقامة