يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}] المائدة: ٣٣] وهذه صفة الكفار، وقال قومٌ: وردت في المعاهدين دون المسلمين وبهذا قال أنس أيضًا، وقال قومٌ: وردت في المعاهدين نقضوا العهد وفعلوا ذلك، وروي هذا ابن عباس في رواية شاذة، ودليلنا أن الله تعالى قال من بعد هذه الآية:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}[المائدة: ٣٤] ولو كان المراد به الكفار لكانت التوبة تسقط عنهم القتل سواء كان قبل القدرة أو بعدها، وأما قوله {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يحاربون المسلمين الذين هم حزب الله وحزب رسوله فأضيف ذلك إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم إذ كان هذا الفعل بالخلاف لأمرهما راجعًا [٩١/ب] إلى مخالفتها وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "من آذى وليًا فقد بارزني بالمحاربة" وقيل: المحاربة قد تكون من المسلمين بارتكاب المعاصي قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩] قال ابن سرين: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين قبل أن تنزل الحدود، وقال أبو الزناد: لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ذلك أنزل الله تعالى الحدود ووعظه ونهاه عن المثلة، وقال قتادة: بلغنا أنه كان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحث في خطبته على الصدقة وينهي عن المثلة، وأما السنَّة فما ذكرناه.
وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين في أصل حدهم.
فإذا تقرر هذا قال الشافعي رضي الله عنه بقول ابن عباس: أقول والمحاربون هم قطاع الطريق الذين يعترضون القوم بالسلاح في الصحاري والطرق فيغتصبون المال مجاهرةً، وأحكامهم على الترتيب فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال ولم يقتلوا يأخذهم الإمام ويعزرهم بأن يحبسوا في أرضٍ غير التي أفسدوا فيها ومن الناس من قال: يحسبون في الأرض التي أفسدوا فيها، قال ابن سريج: وهذا ضعيف، لأن الحبس في بلد الغربة أحوط وأبلغ في الردع والزجر كما ينفي الزاني عن بلده [٩٢/أ] ردعًا وتغليظًا وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا قتلًا متحتمًا لا يدخله العفو ويكون ذلك في معنى القصاص ومعنى الحد من جهة الإمام. وقال عمر رضي الله عنه: الولي إذا عفا عن القصاص في المحاربة لا يصح عفوه، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حتمًا، وإن جمعوا بين الأمرين فقتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا فإن لم يقدر الإمام عليهم طلبهم أبدًا حتى إذا وقعوا في يد الإمام استوفى منهم الحد وهذا معنى قوله تعالى:{أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ}[المائدة: ٣٣] وهو قول ابن عباسٍ وحماد والليث وقتادة وأبي مجلز وأحمد وإسحاق ومحمد وهذه العقوبات عندنا على الترتيب لا على التخيير، وقال عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير: نفيهم إلى إخراجهم من مدينة إلى أخرى، وقال أنس والحسن: نفيهم إبعادهم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك. وقال أبو حنيفة: إذا جمعوا بين القتل وأخذ المال فالإمام مخير فيهم