بين ثلاثة أشياء أن يقتلهم فقط، أو يقطع أيديهم وأرجلهم ويقتلهم، أو يقتلهم ويصلبهم قال: والنفي من الأرض أن يحسبوا وعندنا لا يتخير الإمام الحدود بحالٍ قياسًا على سائر الحدود ولا يجوز أن يجمع بين القتل والقطع وخرّج ابن سلمة من أصحابنا قولًا آخر أنه إذا قتل وأخذ المال يقطع [٩٢/ب] للمال ويقتل للقتل ويصلب للجمع بينهما وليس بشيء.
وقال مالك: الآية مرتبة على صفات قطاع الطريق فإن شهروا حد السلاح وأخافوا السبيل ولم يفعل غير ذلك فإن كان من أهل الرأي والتدبير قتل، وإن كان من أهل البطش والقتل قطعت يده ورجله من خلافٍ، وإن كان مهينًا لا رأي له ولا بطش نفي المسيب وعطاء ومجاهد والحسن والنخعي والضحاك وداود: الآية على التخيير فإذا شهروا السلاح وقطعوا الطريق فالإمام مخير فيهم بين القتل والصلب والقطع سواء قتلوا أو لم يقتلوا، واحتجوا بأن كلمة لو تقتضي التخيير كقوله تعالى:{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} إلى قوله: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩ [.
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثٍ" الخبر ولم يوجد ممن أظهر السلاح وأخاف السبيل واحد منها، وأما الآية قلنا: روينا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: هي على الترتيب، فإما أن يكون ما قاله توقيفًا أو لغةً وأيهما كان وجب المصير إليه والذي يدل عليه أنه بدأ بالأغلظ فالأغلظ وهو عرف القرآن فيما أريد به الترتيب وما يراد به التخيير يبدأ بالأخف كما قال في كفارة اليمين {فًكَفارَتُهُإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[٩٣/أ] ثم قال: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وبدأ في كفارة الظهار والقتل بالعتق، ولأنا إذا حملنا الآية على الترتيب بكل لفظة فائدة جديدة وفيه تنزيل العقوبات على منازل الجنايات والإجرام وكان أولى ولا تعليق الأحكام على الأفعال أو من تعليقها على الأوصاف لأن العقوبات تتعلق بالأفعال لا بالأوصاف ولهذا اختلف حكم الزاني والسارق والقاذف وهذا لئلا يؤدي الحد أن يعاقب من قبل جرمه بأغلظ العقوبات، ومن كثر جرمه بأخف العقوبات.
فرع
إذا قتل في قطع الطريق قد ذكرنا بأنه يقتل حتمًا ولا يجوز للولي أن يصالح عنه على مال، وقال بعض العلماء: للولي العفو والمصالحة على مالٍ. وهذا غلط لما ذكرنا ولأن الله تعالى قال:{أَنْ يُقَتَّلُوا}[المائدة: ٣٣] فأوجب القتل وحتمه ولأن كل معصيةٍ وجبت بها عقوبة في غير المحاربة وجبت بها زيادة عقوبة عند المحاربة كأخذ المال ولا زيادة هنا إلا باقتحام.