قد ذكرنا فيما تقدم هذه المسألة واعلم أن التعزيز بترتب باختلاف الذنوب واختلاف فاعليها على أربع مراتب فالمرتبة الأولي: التعزير بالكلام وغايته الاستخفاف الذي لا قذف فيه ولا نفي نسب. والمرتبة الثانية: الحبس فينزلون على منازلهم بحسب ذنوبهم فمنهم من يحبس يوما، ومنهم من يحبس أكثر إلى غاية مقدرة بحسب الاجتهاد في المصلحة، وقال أبو عبد الله الزبيري: تقدر غايته بشهر للاستبراء والكشف، وبستة أشهر للتأديب والتقويم.
والمرتبة الثالثة: النفي والإبعاد فظاهر مذهب الشافعي أنه يتقدر الأكثر بما دون السنة، وظاهر [١٢٤/ب] مذهب مالك أنه يجوز أن يزاد فيه على السنة وقد ذكرنا.
والمرتبة الرابعة: الضرب فكل من أتي معصية فإن سرق دون النصاب من حرز، أو سرق نصابا من غير حرز أو وطئ دون الفرج، أو قذف بالتعريض فللإمام أن يعزره بالضرب لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"وإن كان ثمنه دون ثمن المجن فقد غرم مثليه وجلدات نكال" ولا يبلغ به أدني الحدود بل ينقص عن ذلك فلا يزاد في الحر على تسعة وثلاثين سوطا، وفي العبد على تسعة عشر. وقال القاضي أبو حامد: قد قيل فيه قول آخر: إنه لا يبلغ بالتعزير في الحر عشرين سوطا لأنه حد العبد في الخمر والأصح أنه يبلغ به أدني الحدود الكاملة والعشرون بعض الحدود. وقال ابن أبي هريرة: لا يجلد احد فوق عشر جلدات في التعزير لقوله صلي الله عليه وسلم:"لا يجلد فوق عشر جلدات في غير حد من حدود الله تعالى" رواه أبو بردة ابن نيار وهذا خبر صحيح لم يقع للشافعي، ولو سمعه لقال به وهكذا قال صاحب "الإفصاح" وصاحب "التقريب". وحكي عن ابن سريج أنه قال: يجب العمل بهذا الخبر وهذا مذهب الشافعي لأن كل ما قاله وثبت عن الرسول صلي الله عليه وسلم خلافه فهو راجع عنه. وقال بعض أصحابنا: لا يزاد على العشرة بالسياط ولكن يجوز أن يزاد بالضرب بالأيدي والنعال والثياب [١٢٥/أ] ونحوها على ما يراه الإمام كما روي في حديث عبد الرحمن بن الأزهر وذلك أنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم الآن وهو جالس في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس: ألا اضربوه فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالميتحه بالياء قبل التاء، وقال ابن وهب: هي الجريدة الرطبة، وقيل: هي العصا الصغيرة، وقال أحمد وإسحاق: للرجل أن يضرب عبده على ترك الصلاة وعلى المعصية ولا يضرب فوق عشر جلدات، وقال أبو حنيفة: أكثره تسعة وثلاثون سوطا في الحر والعبد، وقال أبو يوسف: التعزير على قدر عظم الذنب وصغره