ثم ترك الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه وتهيأ أبرهة للدخول وعبأ جيشه وهيأ فيله المسمى محموداً فأقبل نفيل إلى هذا الفيل فأخذ بذنبه فقال: أبرك محمود وأرجع راشداً من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه وضربوه بالمعول في رأسه فأبى فأدخلوا محاجنهم تحت مرافقه ليقوم فأبى فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم فلما رأى ذلك خرج يشتد حتى صعد الجبل وأرسل الله تعالى طيراً من البحر [١٥٧/ أ] أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره أمثال الحصى والعدس فلما غشين القوم أرسلنها عليهم فلن تصب الحجارة أحداً إلا هلك وليست كل القوم أصابت وخرجوا هاربين يبتدون الطريق الذي منه جاؤوا ويموج بعضهم في بعض يتساقطون ويهلكون في كل منهلٍ.
وبعث الله تعالى داء على أبرهة في جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت أنملة اتبعتها الأخرى فانتهى إلى صنعاء وهو في مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك. وروي أنه كان يقع الحجر على بيضة أحدهم فتحرقها حتى تقع في دماغه ويخر ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه وكان على كل حجرٍ اسم صاحبه مكتوباً، وروي أن رجلاً يقال له: أبو يكسوم من ندماء أبرهة انفلت وحده منهم فساد وطائر يطير فوقه ولم يشعر به حتى دخل على النجاشي فأخبره بما أصابهم فلما استتم كلامه رماه الطائر فسقط فمات فأرى الله تعالى كيف هلاك أصحابه.
وقيل: كان أمر الفيل قبل مولد رسول الله صل الله عليه وسلم بأربعين سنة، وقيل: بثلاث وعشرين سنة والصحيح أنه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله صل الله عليه وسلم وقالت عائشة رضي الله عنها: رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين [١٥٧/ب] مقعدين يستطعمان. ثم ظهر نور النبوة في وجه أبيه عبد الله حتى مر بكاهنة من العرب يريد أن يتزوج بأم رسول الله صل الله عليه وسلم آمنة بنت وهب قرأت الكاهنة نور النبوة بين عينيه فقالت: هل لك أن تقع علي ولك مائة من الإبل؟ فأعرض ومشى لشأنه ونكح آمنة وعلقت منه برسول الله صل الله عليه وسلم وعاد فمر بالكاهنة فعرض لها فلم تر ذلك النور فقالت: قد كان هذا مرة فاليوم لا. ثم ولد رسول الله صل الله عليه وسلم عام الفيل ومات أبوه عبد الله وهي حامل به فكفله جده عبد المطلب فكان يرى من نشوئه ما يسره. ومات بعد ثماني سنين من ولادته فوصى به غمه أبا طالب لأنه كان أخاً لعبد الله من أمه فخرج به أبو طالب إلى الشام لتجارته وهو ابن تسع سنين فنزل تحت صومعة بالشام وكان في الصومعة راهب يقال له بحيرا قرأ الكتب وعرف ما فيها من الأنباء والإمارات فرأى بحيرا من صومعنه غمامة قد أظلت رسول الله صل الله عليه وسلم من الشمس فنزل إليه وجعل يتفقد جسده حتى رأى خاتم النبوة بين كتفيه وسأله عن حاله