للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماوردي رحمه الله طول الكلام في شرح [١٥٥/ب] هذا الفصل وذكر مولد رسول الله صل الله عليه وسلم وما كان من أموره في الابتداء والانتهاء إلى وقت وفاته وما كان بعد وفاته من الخلفاء الراشدين وبسط الكلام في كل فصل من ذلك وقد انتخبت منها ما استحسنته ونقلته وذلك أن الله تعالى اختار لرسالته واصطفا لنبوته محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صل الله عليه وسلم فبعثه على فترةٍ من الرسل حين وهت الأديان، وعبدت الأوثان، وغلب الباطل على الحق وعم الفساد في الخلق ليختم به رسله ويوضح به سبله وليستكمل دينه ويحسم به من الفساد ما عم ومن الباطل ما تم فاختاره من بيت أسس به مبادئ طاعته وقواعد عبادته بالبيت الذي جعله مثابة للناس وأمناً، والحج الذي جعله من أصول الدين ركناً ليكونوا مستأنسين بتدين تسهل به إجابتهم فكان من أول التأسيس لنبوته أن كثر الله قريشاً بعد القلة وأعزهم بعد الذلة وجعلهم ولاة الحرم فكان أول من همس في نفسه ظهور النبوة فيهم كعب بن لؤي بن غالب فكان يجمع الناس في كل جمعة وهو سماه لجمع الناس فيه يوم الجمعة فكان يخطب فيه على قريش ويقول بعد خطبته: حرمكم عظموه وتمسكوا به فسيأتي له نبأ عظيم وسيخرج منه نبي كريم والله لو كنت فيه ذا سمع وبصر ويد ورجل [١٥٦/ أ] ولتنصبت تنصب الجمل، ولأرقلت إرقال الفحل ثم انتقلت الرئاسة بعده إلى قصي بن كلاب فجدد بناء الكعبة وهو أول من بناها بعد إبراهيم وإسماعيل صل الله عليهما وسلم وبني دار الندوة للتشاجر والتشاور وعقد الألوية وهي أول دار بنيت بمكة وكانوا يجتمعون في جبالها ثم بني القوم دورهم بها فزادت الرئاسة وقوي تأسيس النبوة. ثم أمرت قريش وكثرت حتى قصدهم صاحب الفيل لهتك الحرم وهدم الكعبة وسبي قريش ففعل الله تعالى ما فعل بدعوة عبد المطلب حين أخذ خلقه الباب ودعا فكان من مبادئ إمارات النبوة في رسول الله صل الله عليه وسلم إجابة دعوة جده عبد المطلب حتى هلك أصحاب الفيل تخصيصاً له بالكرامة حتى خص بالنبوة في ولده، وقد روي في هذه القصة أنه لما جاء أبرهة لهدم الكعبة وحمل مع نفسه اثنى عشر فيلاً وركب على أعظمها جسماً وقوةً يقال له محمود، وأغار على أموال قريش منها مائتا بعير لعبد المطلب جاء عبد المطلب إليه وكان جسيماً عظيماً وسيماً فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه وكره أن يجلسه معه على سريره وأن يجلس تحته فهبط إلى البساط فجلس عليه ثم دعاه فأجلسه معه ثم قال لترجمانه: ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان ذلك فقال عبد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يرد عليّ مائتي بعير أصابها لي [١٥٦/ ب] فقال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك قال: ولم؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك لأهدمه لم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها؟! فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل ولهذا البيت رب سيمنعه فقال: ما كان ليمنعه مني فقال: أنت وذاك فأمر بإبله فردت عليه فرجع إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رؤوس الجبال خوفاً من معرة الجيش إن دخلوا ففعلوا وأتى عبد المطلب فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>