حتى فطن له رسول الله صل الله عليه وسلم فقال له:"يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي "فقال: يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك فقال: يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني قال: نعم والذي بعثك بالحق فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الغار فدخل فاستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الجحر فقال: يا رسول الله حتى استبرئ الجحر فدخل فاستبرأه ثم قال: انزل يا رسول الله فنزل قال عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لتلك الليلة من أبي بكر خير من آل عمر ثم لما دخلا الغار أرسل الله تعالى زوجي حمام حتى باضا في أسفل النقب وأرسل العنكبوت حتى نسج بيتاً ثم لما انتهى بعضهم إلى الغار ورأى بيض الحمام وبيت العنكبوت [١٦٤/ب] قال: لو دخلاه لتكسر البيض وتفسخ بيت العنبكوت فانصرف.
وكان عبد الله بن أبي بكر يختلف إليهما فلما أراد رسول الله صل الله عليه وسلم الخروج منها إلى المدينة جاءهم بناقتين فانطلقوا وكانوا أربعة نفر النبي صل الله عليه وسلم وأبو بكر وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط الليثي فمكث في الغار ثلاثة أيام وهو نقب في جبل في مكة يقال له: ثور ثم قدموا المدينة في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول ونزل بقباء وبني مسجد قباء وخرج يوم الجمعة متوجهاً إلى المدينة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف في بطن وادٍ لهم فصلى بهم صلاة الجمعة وهي أول جمعة صلاها رسول الله صل الله عليه وسلم فلما دخل المدينة أرخى زمام ناقته فجعل لا يمر بدارٍ إلا سأله أهلها النزول عليهم وهو يقول: "خلوا زمامها فإنها مأمورة "حتى انتهى إلى موضع المسجد اليوم فبركت على باب مسجده وهو يومئذ مربد ليتيمين من الأنصار سهل وسهيل ابني عمرو فنزل عنها فاحتمل أبو أيوب الأنصاري رحله فوضعه في بيته فنزل عليه، وقال: المرء مع رحله، وقال للأنصار: ثامنوني بهذا المربد فقالوا: لا نأخذ له ثمناً فبناه رسول الله صل الله عليه وسلم بنفسه [١٦٥/أ] وأصحابه مسجداً وأقام عند أبي أيوب حتى فرغ من بنائه.
ثم هاجر علي رضي الله عنه بعد رسول الله صل الله عليه وسلم بثلاثة أيام ثم لما استقرت برسول الله صل الله عليه وسلم دار هجرته ونزل المهاجرون على الأنصار آخى رسول الله صل الله عليه وسلم بين أصحابه ليزدهم ألفة وتناصرا. ثم وادع من حوله من اليهود لأنهم كانوا أهل كتاب يرجو منهم أن يؤدوا الأمانة بإظهار نبوته فخانوا وجحدوا الصفة التي في كتابهم وظهر المنافقون بالمدينة يعلنون الإيمان ويبطنون الكفر ويوافقون اليهود في السر على التكذيب وكان النفاق في الشيوخ ولم يكن في الأحداث إلا واحد وكان رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول فسار فيهم رسول الله صل الله عليه وسلم بقول الظاهر من إسلامهم وقصدته اليهود بالمكر بقصد الاختلاف بين الأوس والخزرج حتى ينتقض أمره. فأصلح رسول الله صل الله عليه وسلم بينهم وقطع اختلافهم وعادت ألفتهم ومع ذلك يدعو إلى الإسلام حتى أمر بالقتال فكان أول لواء عقده في سنة مقدمه لحمزة بن عبد المطلب في ثلاثين رجلاً من المهاجرين في شهر رمضان [١٦٥/ب] بعد سبعة أشهر من هجرته ليعترض عيراً لقريش فيها أبو جهل في