أشهر وأقام بها شهراً فلما تم له خمسون سنة رجع إلى مكة في جوار مطعم ابن عدي، ولما أسري به إلى السماء كان ابن أحد وخمسين سنة وتسعة أشهر فلما بلغ ثلاثاً وخمسين سنة هاجر إلى المدينة وبني بعائشة رضي الله عنها في السنة الأولى من الهجرة، وزوج فاطمة من علي في السنة الثانية وحج أبو بكر بالناس وقرأ علي سورة براءة [١٦٧/أ] على المشركين في السنة التاسعة ثم حج حجة الوداع في السنة العاشرة ونزل عليه قوله تعالى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:٣] يوم عرفة في حجة الوداع فلما رجع إلى المدينة نزل قوله تعالى: {واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ}[البقرة: ٢٨١] الآية وهي آخر ما نزل من القرآن، وعاش صل الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية سبع ليال ومات في غرة ربيع الأول يوم الاثنين.
وروي أنه كان مدة مرضه ثلاثة وعشرين يوماً ولما مات يوم الاثنين ترك مسجى ولم يدفن في بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ودفن في آخره، وقيل: انتظروا لأن بعضهم كانوا يشكون في موته ويقولون: لعله يخرج بروحه. وكان عدد ما صلى أبو بكر الصديق في آخر حياته صل الله عليه وسلم سبع عشرة صلاة وعن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال:"لم يقبض نبي قط حتى يؤمه رجل من أمته "فصلى خلف أبي بكر ذلك اليوم ومات في بقية يومه، وروي أن الناس قالوا: وددنا أن لو متنا قبله فقال معن بن عدي: والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته حياً.
ونزل قبره أربعة اثنان متفق عليهما وهما علي والفضل ابن العباس واثنان مختلف فيهما فروي أنهما العباس وعبد الرحمن بن عوف، وقيل: قثم بن العباس وأسامة بن زيد، وجعل بين قبره وبين حائط القبلة نحو من سوط [١٦٧/ب] ثم اجتمع الصحابة وبايعوا أبا بكر الصديق على الخلافة رضي الله عنه.
ثم الكلام الآن في وجوب الهجرة وفيها فصلان: أحدهما: حكمها في زمان الرسول صل الله عليه وسلم، والثاني: حكمها بعده فأما في زمانه فهما حالتان قبل الهجرة إلى المدينة وبعد هجرته إليها فأما قبل هجرته فكانت مختصة بالإباحة دون الوجوب لأنها هجرة عن الرسول صل الله عليه وسلم وقد كان المسلمون حين اشتد بهم الأذى قالوا: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالمة أهلها فأجابهم الله تعالى فقال: {ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً}[النساء: ١٠٠] والمراغم التحول من أرض إلى أرض وفي هذه الهجرة نزل قوله تعالى: {والَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}[النحل:٤١] يعني ظلم أهل مكة {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} يعني نزول المدينة والنصر على عدوها وأما حكمها بعد هجرة الرسول صل الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مختصة بالوجوب وكانت هجرة من أسلم بمكة قبل الفتح إليه وهم فيها ثلاثة أقسام: أحدها: من كان منهم في منعة بمال وعشيرة لا يخاف على نفسه ولا على دينه فمثله كان مأموراً بالهجرة ندباً لا حتماً، وقال الله