للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: ١٠٠] الآية.

والثاني: من خاف على دينه أو نفسه وهو قادر على الخروج بأهله وماله فهذا كانت هجرة واجبة عليه وهو عارض بالتأخير [١٦٨/أ] قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: ٩٧] الآية، الثالث: من خاف على نفسه أو دينه وهو غير قادر على الخروج لضعف حالٍ أو عجز بدنٍ فهو بترك الهجرة معذور قال الله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [النساء: ٩٨] أي: بالخلاص من مكة {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} أي: في الهجرة إلى المدينة فيُظهر الكفر ضرورةً ويبطن الإسلام كما كان عمار رضي الله عنه.

وأما الهجرة في زماننا فتختص بمن أسلم في دار الحرب ويهاجر منها إلى دار الإسلام، ولا تختص بدار الإمام وحاله فيها ينقسم إلى خمسة أقسام: أحدهما: أن يقدر على الامتناع في دار الحرب بالاعتزال ويقدر على الدعاء والقتال فهذا يجب أن يقيم هناك لأنها صارت بإسلامه واعتزاله دار الإسلام ويجب عليه دعاء المشركين إلى الإسلام بما استطاع. والثاني: أن يقدر على الامتناع والاعتزال ولا يقدر على الدعاء والقتال فيجب عليه أن يقيم هناك أيضًا ولا يهاجر لأن داره صارت باعتزاله دار الإسلام، وإن هاجر عنها عادت دار حرب ولا يجب عليه الدعاء والقتال لعجزه عنهما. والثالث: أن يقدر على الامتناع ولا يقدر على الاعتزال ولا على الدعاء والقتال يجب عليه المقام ولا يجب عليه الهجرة لأنه يقدر على الامتناع وله ثلاثة أحوال فإن كان يرجو ظهور الإسلام بإقامته فالأولى به أن يقيم، وإن تساوت حاله في المقام والهجرة [١٦٨/ب] فهو بالخيار بين المقام والهجرة، والرابع: أن لا يقدر على الامتناع ويقدر على الهجرة فواجب عليه أن يهاجر ويعصي إن لم يهاجر وفي مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا برئ من كل مسلم مع مشرك)) قيل: ولم يا رسول الله؟ قال: ((لا يترأى نارهما)) معناه لا يتفق رأياهما فعبر عن الرأي بالنار لأن الإنسان يستضيء بالرأي كما يستضيء بالنار وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تستضيئوا بنار أهل الشرك)) أي لا تقتدوا بآرائهم، وقيل: معناه لا يستوي حكماهما، وقيل: معناه أن الله فرق بين داري الإسلام والكفر فلا يجوز لمسلم أن يساكن المفار في بلادهم حتى إذا أوقدوا نارًا كان منهم بحيث يراها، وقال بعض أهل اللغة: معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله والعرب تقول: ما نار بعيرك أي: سمته. الخامس: أن لا يقدر على الامتناع ويضعف عن الهجرة فتسقط عنه الهجرة لضعفه ويجوز أن يدفع عن نفسه بإظهار الكفر مع اعتقاد الإسلام. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أحوال فأول أحواله أنه كان مدة

<<  <  ج: ص:  >  >>