للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرجوا لاختلالهم فرضه على الكفاية، والثاني: أن تكون ثغور المسلمين [١٧١/أ] مشحونة بالمقاتلة الذين يذبون عنها ويقاتلون من يتصل بها فيسقط فرض الجهاد عمن خلفهم فإن ضعفوا وجب على من ورائهم أن يمدوهم بمن يتقوون به على قتال عدوهم ويصير جميع من تخلف عنهم داخلًا في فرض الكفاية حتى يمدوهم بأهل الكفاية. وفي تسميته جهادًا تأويلان أحدهما: لأنه يجهد في قهر عدوه، والثاني: لأنه يبذل في جهد نفسه. وروي أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض غزواته قال: ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)) يعني جهاد النفس. ويتوجه فرض الكفاية على من لا يحسن القتال فيكثّر ويهيّب أو يحفظ رجال المحاربين.

مسألة: قال: ودلَّ كتابُ اللهٍ تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنهُ لمْ يفرض الجهادُ على مملوكٍ.

الفصل

الكلام في هذا في بيان من هو من أهل فرض الجهاد ومن ليس من أهله؟ وجملته أن الجهاد لا يجب إلا على حرٍّ ذكرٍ بالغٍ عاقلٍ وهذا لأن الله تعالى قال: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}] التوبة: ٤١] والمملوك لا مال له وقوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}] التوبة: ٩١] وروي أنه كان إذا أسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقول: ((أحرٌّ أم مملوك)[١٧١/ب] فإن كان حرًا بايعه على الإسلام والجهاد، وإن كان مملوكًا بايعه على الإسلام. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النساء هل عليهن جهاد؟ فقال: ((نعم جهادٌ لا قتال فيه الحج والعمرة)) واحتج الشافعي فيهن بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}] الأنفال: ٦٥] قال: دلت هذه الآية على أنهم الذكور، واختلف أصحابنا في الخطاب الوارد بلفظ الذكور هل تحته النساء؟ وظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع يدل على أن ظاهر الصيغة للرجال وإنما يحمل على النساء بقرينة لأنه تمسك بقوله تعالى: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} وادعى أن الصيغة للذكور على التخصيص، وأخرج أيضًا فيهن وفي العبيد بأنهم لو حضروا القتال لأسهم لهم وقد حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغزو فرضخ لهم ولم يسهم وأما الدليل في الصبي خبر ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة الخبر وقد ذكرنا ذلك قال الشافعي: وسواء كان جسيمًا سديدًا أو مقاربًا لخمس عشرة سنة ليس بينه وبين استكمالها إلا يوم أو ضعيفًا وؤذنًا بينه وبين استكماله سنة أو سنتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>