تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: ٣٩] وبقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}] التوبة: ٥] وللحرم هذه الأحوال الثلاثة، وقال مجاهد: هذه الحالة [١٧٠/أ] الثالثة غير مباحة ولا يباح فيه إلا قتال من قاتل وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل مكة عام الفتح مبتدئًا ولأنه يقاتل فيه أهل المعاصي فكان تطهير الحرم منهم أولى.
واختلف أصحابنا: هل كان الجهاد فرضًا على الأعيان ثم انتقل إلى الكفاية أو لم يزل على الكفاية؟ على ما ذكرنا، واختار ابن أبي هريرة أنه كان على الأعيان لقوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} قيل: أراد شبانًا وشيوخًا، وقيل: أغنياء وفقراء، وقيل: أصحاء ومرضى، وقيل: ركبانًا ومشاةً، وقيل: نشاطًا وكسالى وقال: خفافًا إلى الطاعة وثقالً إلى المخالفة، وقيل: خفافًا إلى المبارزة وثقالًا إلى المصابرة {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}] التوبة: ٤١] أي بالإنفاق على النفس بالزاد والراحلة، وقيب: أن يبذل المال لمن يجاهد إن عجز عن الجهاد بنفسه ولهذا قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}] التوبة: ١١٨] يعني تاب عليهم حين تخلفوا في غزوة تبوك ثم ندموا وتابوا وكان خرج في هذا الغزوة ثلاثون ألفًا.
وقال سائر أصحابنا: على الكفاية لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}[التوبة: ١٢٢] الآية وقال تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}] النساء: ٧١] أي: انفروا فرادى وعصبًا أو انفروا بأجمعكم فخيًّرهم بين الأمرين وإنما تعين على الثلاثة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهم بأعيانهم فتعين عليهم، وقال صاحب ((الحاوي)): [١٧٠/ب] الصحيح عندي أن مبدأ فرضه كان على الأعيان في المهاجرين وعلى الكفاية في غيرهم لأن المهاجرين انقطعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصرته فتعين عليهم ولهذا كانت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدرٍ بالمهاجرين خاصة وما جاهد غير الأنصار قبل بدر ولهذا سمي أهل الفيء من المقاتلة مهاجرين وجعل فرض العطاء فيهم وسمى غيرهم وإن جاهدوا أعرابًا، وقد استقر فرضه الآن على الكفاية.
فالذي يلزم في فرض الجهاد شيئان: أحدهما: كف العدو عن بلاد الإسلام لينتشر المسلمون فيها آمنين على أنفسهم وأموالهم، فإن أطل العدو عليهم تعين فرض الجهاد على من أطاقه وقدر عليه ممن فيها وكان فرضه على غيرهم باقيًا على الكفاية. والثاني: أن يطلب المسلمون بلاد المشركين ليقاتلوهم على الدين حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية لأن الله تعالى فرض الجهاد لنصرة دينه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه}[البقرة: ١٩٣] فهذا ما لا يُعين ولا يكون إلا على الكفاية. واعلم أنه يلزم على الإمام والمسلمين أن يجمعوا بينهم فيذبوا عن بلاد الإسلام ويقاتلوا على بلاد الشرك ولا يجوز لهم أن يقتصروا في الجهاد على أحد هذين الأمرين فإن اقتصروا