قال: ولو كانا كافرين فله الجهاد، وإن كانا كارهين لأنه يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه ومعنى هذا أنهما متهمان في المنع ولا يحمل منعهما إياه من الغزو على الشفقة والحذر عليه وإنما يحمل على المنع من قتال أهل دينهما فإنهما يكرهان ذلك ولأن الله تعالى قال:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}[لقمان: ١٥] فكما لا يطعهما في الشرك فكذلك لا يطيعهما في ترك قتال المشركين، ولأن عبد الله بن أبيّ ابن سلول كان رأس المنافقين وكان يحذل الناس يوم أحد ويقول: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا وابنه عبد الله كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمتنع بقوله وغزا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأبوه مقدم المشركين.
مسألة: قال: ومن غزا ممن له عذرٌ أو حدث له بعد الخروج عذر كان له الرجوع ما لم يلتق الزحفان.
الفصل
جملته أن العذر ضربان لحق غيره كالدين وحق الأبوين وحق من يلزمه نفقته، فإن خرج من غير إذن من له هذا الحق فقد عصى [١٧٦/أ] ولزمه الرجوع من السفر لأنه سفر معصية ويجبره السلطان عليه. وضربٌ لحق نفسه مثل أن يكون مريضًا أو أعرج أو فقيرًا فإنه إذ خرج بالخيار فإن شاء مضى في وجهه، وإن شاء رجع ولا يعارضه السلطان ولا فرق بين أن يكون العذر موجودًا قبل الخروج أو حادثًا بعد الخروج مثل أن يمرض أو يعرج أو يفتقر في الطريق بأن يتلف مركوبه أو تذهب نفقته أو يستدين أو يسلم أبواه أو أحدهما فإنه بمنزلة ما لو كان موجودًا قبل خروجه وكذلك إذا أذن له من له الحق ثم رجع عن الإذن كان له ذلك وعليه أن يرجع من السفر.
قال الشافعي: ما لم يلتق الزحفان أو يكون في موضع كافٍ إن رجع يتلف، فأما إذا كان يخاف على نفسه في الرجوع وانفصاله من الجيش أو يخاف على ماله لا يجب عليه الرجوع، وإن التقى الزحفان فهل يجب عليه الرجوع؟ نُظر فإن كان معذورًا لمعنى في نفسه من زمانةٍ أو عرجٍ أو مرضٍ أو فقرٍ لزمه الثبوت حتى يفترق الزحفان ولا يرجع، نص عليه وهذا اختيار صاحب ((التقريب))، وقال أبو حامد: له الانصراف لأنه لا يمكنه القتال كما لو مريضًا في الابتلاء، وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه قولان. وإن كان معذورًا لحق غيره، والظاهر من المذهب أنه يلزمه الثبوت ولا يجوز الرجوع لئلا يؤدي إلى أكثر [١٧٦/ب] المسلمين وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}[الأنفال: ٤٥] الآية، وقال القاضي أبو حامد: فيه وجهان، وقال الشيخ أبو