الأجرة تستحق بالقصد الواقع قبلها وهي خمس الخمس من سهم الرسول صلي الله عليه وسلم من الفيء والمغانم وهل يجوز الدفع من أربعة أخماس الفيء؟ فيه قولان علي ما ذكرنا، وإن كانت جعالة دفعت من مال المصالح الحاصل قبل هذه الغنيمة لأنها تستحق بعد العمل فوجبت في المال الحاصل بالعمل بخلاف الأجرة، وإن كان المستحق رضخًا فيه ثلاثة أوجه علي ما ذكرنا: أحدها: في مال المصالح. والثاني: من أصل الغنيمة. والثالث: من أربعة أخماسها وكل ذلك من غنائم ما قاتلوا عليه. وفي رضخ من حضرها من المسلمين قولان من أصل الغنيمة ومن أربعة أخماسها.
فرع آخر
قال القفال: علق الشافعي رضي الله عنه القول في جواز إحضار نساء الكفار وصبيانهم في الجهاد فأحد القولين: يجوز كما يجوز إحضار نساء المسلمين وصبيانهم علي ما ذكرنا، والثاني: لا يجوز لأنه لا قتال فيهم ولا رأي ولا تبرك بدعائهم.
مسألة: قال: ويبدأ الإمام بقتال من يليه من الكفار بالأقرب فالأقرب لأن الله تعالي قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ} ولأنهم أقرب فالمؤونة في غزوهم أقل ولأنهم أبصر بعوراتنا وأحوالنا فالبداية بهم أولي، وقد قال الشافعي في موضع آخر: ويغزوا أهل الفيء كل قوم إلي من يليهم وهذا اقتداء بالسلف وتقتضيه السياسة لأن عمر رضي الله عنه مصر البصرة وأسكنها أهل الفيء لقتال من يليهم فإن كان بين المسلمين وبين من يليهم هدنة ينقلهم إلي جهة أخري.
قال أصحابنا: وهكذا يكلف أهل البحر القتال في البحر لأنه أخبر به وأعرف ولا يكلفهم القتال في البر فيضعفوا عنه ويكلف أهل اليمن القتال في البر لأنهم به أعرف ولا يكلفهم في البحر فيضعفوا عنه، وروي أن عمر رضي الله عنه أغزي في البحر جيشا من المدينة وأمر عليهم عمرو بن العاص فلما قدموا عليه سأل عمرو بن العاص عنهم فقال له: دود علي عود بين غرق وفرق قال: إذن لا يغزي في البحر أحدًا، وروي أن معاوية كتب إلي عمر رضي الله عنه يستأذنه في غزوه البحر فكتب إليه عمر: إني لا أحمل المسلمين علي أعواد نجرها النجار وجلفظها الجلفاظ يحملهم عدوهم إلي عدوهم، والجلفاظ: الذي يشهد أعواد السفن وقوله: يحمله عدوهم إلي عدوهم له تأويلان: أحدهما: أن الملاحين كانوا إذ ذاك كفارًا يحملونهم إلي الكفار. والثاني: أن البحر عدو وراكبه يحملهم إلي أعدائهم الكفار.
قال: وإن كان الأبعد أخوف فلا بأس أن يبدأ به علي معني الضرورة التي يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها وصورة المسألة حيث لا يكون الخوف من الأبعد غالبًا ظاهرًا، فإن كان الخوف من الأبعد غالبا ظاهرا فواجب علي الإمام البداية بهم